د. عبدالعظيم ميرغني عندما يتحيز الرئيس! "التفاؤل صفة حسنة ومرغوبة، ولكن الإفراط فيه يعد ضرباً من البلاهة. فقد اعتدنا في هذا البلد على الحديث عن مواردنا الطبيعية الهائلة وكأنها موارد لا تنضب؛ وهذا ليس صحيحاً". هكذا خاطب الرئيس السادس والعشرين للولايات المتحدةالأمريكية ثيودور روزفلت ((1858-1919 الكونجرس الأمريكي عام 1907. وثيودور روزفلت الذي يعد من أعظم الرؤساء الأمريكيين، هو أول رئيس أمريكي تنبه للمخاطر التي تتهدد الغابات والموارد الطبيعية، وجعل منها قضية قومية وسياسية على رأس قائمة أولويات أجندة حملات الإنتخابات الأمريكية. وقد اكتسب ثيودور روزفلت سمعته الطيبة في الولاياتالمتحدةالأمريكية وعلى نطاق العالم من رصيد إنجازاته الضخمة في مجال المحافظة على الغابات وصيانة الموارد الطبيعية الأخرى حتى لقبه الأمريكان ب"الرئيس المحافظ". حينما جاء ثيودور روزفلت للسلطة كانت الغابات تديرها سلطات ولائية صرفة دون أن يكون للحكومة الاتحادية أي دور في إدارتها، ولكن بعد تزايد معدلات إزالة الغابات بالغرب الأمريكي جراء ممارسات الزراع وتجار الأخشاب الذين كانوا يزيلون الغابات بما يعادل خمسة أضعاف ما يتم غرسه منها بتصديقات تصدرها السلطات الولائية، قام الرئيس ثيودور روزفلت بإنشاء إدارة إتحادية للغابات. واستخدمها كعصا غليظة في وجه كل من كان يتغول على موارد الغابات. ثم قام بعد ذلك بتحويل نظام إدارة الغابات الأمريكي من نظام ولائي صرف إلى نظامٍ متنوع الملكية، يشمل غابات تدار إتحاديا، وأخرى تدار ولائياً، وثالثة تديرها المحليات، ورابعة يديرها القطاع الخاص وخامسة تديرها المجتمعات المحلية للقبائل الهندية. كما قام بتوظيف سلطاته لمضاعفة مساحة الغابات والمحميات الطبيعية من 43 مليون فدان وقت تقلده الحكم، إلى 230 مليون فدان بنهاية فترة ولايته الثانية، بمعدل حجز تجاوز 84 الف فدان يومياً، وبنسبة كلية فاقت 400%، وزيادة في مساحة الغابات تعادل مساحة فرنسا وبلجيكا وهولندا مجتمعة. وأنشأ ما مجمله 73 محمية طبيعية وحظيرة حياة برية. وقد اشتملت مذكرات الرئيس ثيودور روزفلت الشخصية قصصاً مشوقة حول كيفية قيادته (شخصياً) للصراع على الأرض للصالح العام، في مواجهة أصحاب المصالح والأغراض الخاصة في داخل وخارج الكونجرس الأمريكي. ومن أقوال ثيودور روزفلت المأثورة عنه أثناء إدارته لهذا الصراع، قوله "طالما أن الرئيس هو القيِّم والمكلف بأمر الشعب يتوجب عليه اتخاذ كل ما يلزم من أفعال لأجل تحقيق الصالح العام ما لم يكن ذلك محظوراً بنصِ صريحِ في القانون أو الدستور". ويبرر الرئيس ثيودور ذلك بقوله: "أنا بذلك لا اغتصب السلطة، ولكني أوسع من استخدامي للسلطة التنفيذية، واستغل كل "أونصة" من السلطة كفلها لي منصبي كرئيس". وقد استطاع الرئيس روزفلت بذلك من مواجهة جيل كامل من أباطرة المال الأقوياء، وتفكيك إمبراطورياتهم وتقليص نفوذهم ووضعهم في أحجامهم الحقيقية ومكافحة احتكاراتهم لمقدرات الشعب. عرف عن الرئيس ثيودور روزفلت أنه كان نصيراً للضعفاء والشرائح المهمشة من المجتمع. فقد كان أول رئيس أمريكي يدعو مثقفاً أسود للعشاء في البيت الأبيض. وكان رد الفعل على ذلك وحشياً، إذ قال السيناتور الديمقراطي عن ولاية ساوث كارولينا حينها، وهو يعقب على تلك الدعوة: ''سيصبح من الضروري بعد أن قام الرئيس روزفلت باستضافة ذلك العبد الأسود أن نقتل ألف عبد أسود من الجنوب حتى يقفوا عند حدودهم". كان من السهل للرئيس ثيودور روزفلت أن يتملق نواب الكونجرس وأباطرة المال، فهو بلا شك سوف يجني نظير ذلك فوائد فورية مباشرة؛ إما أصواتاً في صناديق الإقتراع أو حمداً وثناء من الممنتفعين من قراراته وسياساته. ولكنه رمي بكل ثقله السياسي لصالح أجيال المستقبل بتمكنه من حماية الغابات والأراضي الشاسعة غير المأهولة من البلاد التي كانت موضع أطماع الشريحة الثرية والمقتدرة التي هي على الدوام مولعة بحب الفوائد العاجلة. انتهت حياة الرئيس ثيودور روزفلت العامرة في العام 1919م بعد أن أثر عنه قوله: "ليس هناك من إنسان عاش حياة سعيدة كتلك التي عشتها، حياة سعيدة في شتى المناحي وبكل المقايس". مات الرجل وهو راضٍ عن نفسه، مستريح البال والضمير. ومما يحفظ للرئيس ثيودور روزفلت أمه حينما شارفت فترة رئاسته على الانتهاء في العام 1909 كان قد تمكن من تغيير سلوك وسياسات الحكومة الاتحادية الأمريكية تجاه الغابات والموارد الطبيعية بشكل جذري. وعمل بعد ذلك على تأمين استمرارية سياساته المحافظة على الغابات والموارد الطبيعية من بعده، فكان أن قام بدعوة كل حكام الولايات لمؤتمر قومي عقده في مايو 1908 لمخاطبة التحديات التي تواجه مستقبل الغابات والموارد الطبيعية. ولم يكتف الرئيس ثيودور روزفلت بذلك بل دعا لمؤتمر قومي حول قضايا الغابات والموارد الطبيعية العابرة للحدود السياسية لدول أمريكا الشمالية الثلاث: كندا والمكسيك والولاياتالمتحدة، وكان على وشك الدعوة لمؤتمر عالمي حول ذات الموضوع إلا أن الوقت لم يسعفه فغادر البيت الأبيض قبل أن يحقق هذه الخطوة. ويبدو أن تحيز الرؤساء للغابات والموارد الطبيعية ليس وقفاً على بعضهم، بل هي سمة غالبة لغالبية الرؤساء، ففي السودان فإن منسوبي قطاع الغابات فى السودان وأصحاب المصلحة فيها لا يستطيعون ما داموا وما دامت أن يعبّروا عن امتنانهم للمشير عمر حسن أحمد البشير رئيس الجمهورية لمواقفه الداعمة للغابات. ويكفي أن يسجل التاريخ للرئيس اصداره للقرار 95 لسنة 1993 باختصار إجراءات الحجز 9,5 ملايين فدان ارتفعت بمقتضاه رقعة الغابات المحجوزة وقتذاك من ثلاثة ملايين فدان إلى 12 مليون فدان، وأن الريئس قد أعلن عام 2001 عاماً لمنع التوسع الأفقي للزراعة والعمران على حساب الغابات، وأن مجلس الوزراء الموقر قد عقد جلسة له فى رحاب الهيئة حينما احتفلت الهيئة بالعيد الماسي للغابات ومنحت خلاله وسام الإنجاز، وأن رئيس الجمهورية قد أرجأ توفيق الهيئة القومية لأوضاعها وفق قانون الهيئات الحكومية لسنة 2003 إستثناءً من كل الهيئات، ويوجه في عام 2007 لجنة قومية مشكلة من كافة أحزاب حكومة الوحدة الوطنية تعديل الدستور لجعل الغابات والمحميات الطبيعية شأناً قومياً.