يحدث الهدر والإسراف في إنفاق المال العام نتاجاً للقرارات المتسرعة وربما الخاطئة وعدم التقيد بالمواصفات الفنية للمشتروات الحكومية. كما يحدث من خلال سوء تنفيذ المشاريع وتعثرها وعدم تحديد الحاجة الحقيقية في غياب التخطيط الجيد والتنسيق المناسب ودراسات الجدوى النافعة لكل مشروع يتم تنفيذه. لذلك لا بد من معالجة الهدر حتى لا يصبح عائقاً أمام التنمية الاقتصادية للدولة وإرساءً لمبادئ وقيم الشفافية والعدالة. مؤخراً أقام مركز الفدرالية للبحوث وبناء القدرات ورشة عمل حول المسؤولية القانونية والإدارية لهدر الموارد والإنفاق العام وإستراتيجيات المعالجة، بمشاركة واسعة من عدد من الخبراء والتنفيذيين. وبعد نقاش مستفيض اتضحت العديد من الحقائق. إذ أشار المشاركون إلى أن الهدر في معظم الدول النامية لم يكن يوماً بسبب توفر الموارد بل في إدارتها، وأن ما هو متاح الآن من موارد في السودان إذا تمت إدارته بصورة راشدة سوف يمكن الدولة من مجابهة التحديات الاقتصادية. ولذلك يوصي المشاركون باختيار المسؤولين وفقاً لمعايير الكفاءة والنزاهة والخبرة والتخصص. وأجمع المشاركون أنه لا بد من مراجعة شاملة لهيكل الحكم في السودان مما يجنب الدولة هدر الموارد في هياكل ومؤسسات غير ذات جدوى أو لضعف مردودها. على أن تضع الدولة أولويات مبرمجة وإستراتيجيات واضحة لتنمية قطاعاتها. وينبغي كذلك تحديد مواطن ومظاهر الإسراف في الإنفاق العام لضمان كفاءة تخصيص الموارد، والحرص على وضع الموازنات وفق خطط مدروسة، مع تفعيل الرقابة الإدارية والمالية للتأكد من أن جميع الأنشطة الإدارية تسير مساراً صحيحاً نحو تحقيق الأهداف الموضوعة في الموازنة. وأوصى المشاركون بضرورة تقيد الأجهزة الحكومية بالجهات الاستشارية الفنية في عمليات الشراء والتعاقد، وأشار المشاركون للتجربة المتقدمة للنقل الميكانيكي وإدارة المخازن والمهمات حيث كانت هاتان المؤسستان تحددان مواصفات فنية تتلائم مع البيئة السودانية. أوصى المشاركون كذلك بتفعيل آليات الرقابة التنفيذية لمجلس الوزراء القومي لمحاسبة الوزراء والمسؤولين عن هدر الموارد، مع ضرورة تقوية حجية وسيادة القرار الفني التنفيذي على القرار السياسي وضرورة تقيد الدستوريين بذلك بالشكل الذي يمنع تنفيذ المشاريع غير ذات الجدوى. كما يجب تفعيل دور المجالس التشريعية القومية والولائية بمحاسبة الوزراء والتنفيذيين من خلال التطبيق الصارم للائحة البرلمان في الاستجواب وسحب الثقة حتى لا تتكرر ظاهرة هدر الموارد والإنفاق العام. من المهم تقوية جهاز المراجعة العامة الداخلية والمراجع العام، بحيث تشمل اختصاصاتهما منع هدر الموارد خاصة المشاريع المنفذة خارج إطار الموازنة وإيرادها في التقارير، أو إنشاء جهاز أو إدارة مستقلة لضمان سلامة الأداء المالي وحسن استخدام المال العام في الأغراض التي خصصت من أجلها. ومعالجة مواطن الهدر في الإنفاق الحكومي ومتابعة تحصيل الإيرادات في المالية العامة. ومن الضروري كذلك تطبيق موازنة البرامج والأداء حيث تلاحظ وجود قصور في عملية تتبع تنفيذ بنود الموازنة الحالية حيث تقتصر العمليات الرقابية على الصرف في حدود الاعتماد، دون النظر إلى حقيقة هذا الصرف وجودته وجدواه على أرض الواقع، مع إيقاف العمليات خارج الموازنة. هناك نوع آخر من الهدر هو هدر الموارد من خلال هجرة الكفاءات مما يستوجب معالجات سريعة وفعالة للحفاظ على المورد البشري في الدولة. إن تنفيذ هذه التوصيات المهمة لا يمكن أن يتم إلا إذا تبنتها الجهات التنفيذية المختصة. ومن الواضح أن الجهة التنفيذية المختصة بالنسبة للمشروعات التنموية الكبرى هي وكالة التخطيط بوزارة المالية والاقتصاد الوطني. ولا أدري لماذا لم يتم تنفيذ توجيه رئيس الجمهورية بشأن قيامها. والله الموفق. د/ عادل عبد العزيز الفكي هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته