هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته يبدو أنَّ هناك إحساساً طاغياً بدأ يسري في أوساط قيادة المؤتمر الوطني يعكسُ حالة التذمر الشديد بين عضوية الحزب ومؤيديه من الأوضاع الحزبية, وتراجع حماسهم لدعم الحكومة بسبب الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية العميقة التي دخلت فيها البلاد, إلى جانب الحديث المتواتر عن الفساد في الجهاز الحكومي. هذه الأوضاع دفعت قيادات عليا في المؤتمر الوطني والحكومة للسعي لرفع معنويات الأعضاء الذين أضحوا "يخجلون" من انتمائهم للحزب بحسب قول القيادية "هدى داؤود" وهو ما جعل الدكتور إبراهيم غندور يُخاطبها قائلاًً: (ارفعي رأسك وقولي أنا مؤتمر وطني ولم نصل مرحلة أن نخجل من انتمائنا للوطني). وهو نفس الحديث الذي أدلى به الأستاذ علي عثمان في المجلس الوطني عندما وصف بعض مؤيدي حزبه وحكومة الإنقاذ (بالاستحياء في التحدث عن الإنقاذ الآن بكل قوة وهمة وفخر وإعزاز تستحقه في كتاب تاريخ السودان). وقال إنَّ الإنقاذ (لا تزال قادرة على أن تتجدد وترد على الناس ليس بلسان الكلمات وإنما بكوكبة من رجالات السودان ترتفع فوق كل انتماء لحزب أو شخص أو جهة أو طائفة). وقريبٌ من ذلك حديث اللواء عمر نمر معتمد الخرطوم في مؤتمر الحزب بمحلية الخرطوم الذي طالب فيه (بإعادة الثقة في كوادر المؤتمر الوطني التي تجلس على الرصيف لمقابلة التحديات الكبيرة). لم تكتف قيادات المؤتمر الوطني – في سعيها لوقف التذمر في أوساط العضوية – بالتشجيع المعنوي عبر الكلام الحماسي, ولكنها سعت كذلك للاستعانة ب "لغة الأرقام", حيث أكد غندور الأسبوع الماضي لدى مخاطبته مؤتمر اللجنة التحضيرية العليا لحزبه بمحلية كرري بأن أكثر من (6) ملايين شخص حضروا مؤتمرات الحزب الأساسية، وقال إن (عضوية المؤتمر الوطني بلغت أكثر من (10) ملايين شخص) !! كلام الدكتور غندور أعلاهُ يعني أنَّ عضوية المؤتمر الوطني تمثل "ثلث سكان السودان", وهو كذلك يعني أنَّ إثنين مليون عضو جديد انضموا للحزب خلال "الخمسة أشهر" الماضية فقد كان رئيس قطاع التنظيم "حامد صديق" صرَّح في ديسمبر الماضي أنَّ عضوية الحزب بلغت ثمانية ملايين عضو, فما الذي أغرى مليوني شخص للانضمام للحزب ؟ هل هى الأزمة الاقتصادية الطاحنة والارتفاع الجنوني لأسعار السلع ؟ أم هل هي الحروب الأهلية التي لا تتوقف؟ أم يا ترى هو انهيار الزراعة والصناعة وهروب رؤوس الأموال؟ الشىء الوحيد المؤكد هو أنَّ حزباً يقوده الدكتور غازي صلاح الدين (الإصلاح الآن) انشق عن المؤتمر الوطني في الشهور الماضية, وهو ما يعني أنَّ الحزب الحاكم فقد المئات إن لم يكن الآلاف من أعضائه. من الجلي أنَّ السعي لتضخيم عضوية الحزب, ومن قبل ذلك محاولة بث الطمأنينة في أوساط تلك العضوية ورفع معنوياتها يعكسُ "حالة من التوتر" في أروقة الحزب الحاكم, خصوصاًً بعد التطورات الأخيرة التي أدخلت دعوة الحوار الوطني في نفق مظلم بعد خروج حزب الأمة منه, فقيادة الحزب تعلم علم اليقين أنَّ قيام الانتخابات في موعدها لن يحل مشكلات البلاد المستعصية خصوصاً إذا قاطعتها أحزاب المعارضة وستكون نسخة أخرى من انتخابات 2010 التي فاز فيها المؤتمر الوطني بأكثر من 90 % من مقاعد البرلمان. غير أنَّ ما يُثير الاستغراب ويدعو للتساؤل هو الحديث الذي أدلى به والي ولاية الخرطوم عبد الرحمن الخضر في نفس المؤتمر فقد هدَّد الأحزاب المعارضة التي ترفض الحوار والانتخابات بالطريقة التي يريدها المؤتمر الوطني بقوله إن (الانتخابات هي الوسيلة الوحيدة للوصول لحكم البلاد و الحشاش يملأ شبكتو). إن عبارة "الحشاش يملأ شبكتو" عبارة غير ذات معنى في ميدان "التنافس السياسي" إذا كان هناك فريق واحد استأثر بالملعب لربع قرن, وسيطر على مفاصل الدولة ومواردها المالية, فالشرط الأساسي لذلك التنافس هو إتاحة "الفرصة المتساوية" للجميع ومن ملامح ذلك التساوي هو أن لا يضع "فريق" واحد قانون اللعبة. المؤتمر الوطني يعتمد في تمويله على "موارد الدولة", وهذه المعلومة البدهية معروفة للجميع, وقد أكدَّها الأستاذ أحمد عبد الرحمن محمد بحسب شهادة الأستاذ عبد الباقي الظافر الذي قال في كلمة له الأسبوع الماضي إنه أجرى حواراً مع الأستاذ أحمد سأله فيه عن مصادر تمويل الحزب الحاكم (فأجاب بوضوح "الدولة" ). كيف يُمكن للأحزاب الأخرى منافسة حزب أدمن الرضاعة من ثدي الدولة, ليس أموالاً فحسب ولكن استثمارات و سيارات ووسائل اتصالات وقاعات ومباني (لا نعرف الكيفية التي تحصَّل بها الحزب على النادي الكاثوليكي) وغيرها من "اللوجستيات" ؟ وها هو المؤتمر الوطني يُجيز قانون الانتخابات "وحده" دون مشاركة جميع الأحزاب المعارضة, وبالتالي فإنَّ عبارة "الحشاش يملأ شبكتو" لا معنى لها في ظل وجود هذه الممارسات, فالمؤتمر الوطني سيدخل في منافسة مع نفسه لأنَّ شروط المنافسة الحقيقية غير متوفرة, وستكون النتيجة كما ذكرنا آنفاً هى وجود برلمان تابع للحكومة مثل البرلمان الحالي بينما تظلُّ مشكلات البلد الرئيسية قائمة كما هى دون حل. سيكون لعبارة الوالي التي أطلقها (الحشاش يملأ شبكتو) معنى عندما تتوافق كل القوى والأحزاب على "عملية سياسية" يشارك فيها الجميع بعد أن تتوقف الحرب ويخمد صوت الرصاص, و يأتي على رأس تلك التوافقات قيام "حكومة انتقالية" كاملة لا يُسيطر عليها المؤتمر الوطني تكون مسؤولة عن قيام الانتخابات والإشراف عليها. وعلى الرغم من أنّ حظوظ المؤتمر الوطني ستكون أكبر من بقية الأحزاب بحكم انفراده بالملعب لخمسة وعشرين عاماً, إلا أنَّ الإحساس بالتساوي في الفرص وعدم احتكار العملية سيمثل دافعاً للمشاركة الحقيقية للأحزاب في الانتخابات, و التي إن فاز فيها المؤتمر الوطني لن يفوز إلا للعامل المذكور وبالقطع لن يكون فوزاً كاسحاً كما كان الحال في 2010.