ثلاثة رجال اختزلوا بلدا ولا يزالون – سيستمرون في رسم ملامحه ومصائره رغم الموت وسلطانه. عن كوريا الشمالية نتحدث - والحدث الأبرز في وسائل الإعلام هذه الأيام- أي رحيل زعيمها كيم جونغ إيل ابن الزعيم المؤسس كيم إيل سونغ ووالد الزعيم الشاب الذي سيحمل الراية كيم يونغ اون. "كيم وكيم وكيم " أو "كيم تكعيب" وبعد كل "كيم يموت يأتي كيم جديد" يحمل اغرب الألقاب إلا لقب الرئيس – صلاحياته مفتوحة – صورته مقدسة – ينحني الناس كلما مروا أمامها وما أكثرها من صور– تتناثر في كل مكان – تتخذ شكل الرسوم تارة والتماثيل تارة أخرى والمجسمات تارة ثالثة – تبدو العاصمة بيونغ يانغ اقرب إلى المتحف أو المعرض المفتوح منها للمدينة - فتصوير الزعيم واختزال أفكاره ودوره والترويج له تحول إلى فن ترعاه الدولة وتدفع فيه وله بلا حساب. ولدت كوريا الشمالية كدولة من مخاض تصفية تركة الحرب العالمية الثانية – واشتعال الحرب الباردة في إثرها- انقسمت أو قسمت شبه الجزيرة الكورية - خاض الشمال والجنوب أول حرب بالوكالة في عصر الحرب الباردة – كان ذلك بين عامي 1950 و1953– انتهت الحرب بتكريس الانقسام والعداء بين شطري الوطن الكوري الكبير. تفرغ الشمال للدفاع عن نفسه – أفرط في الإنفاق على التسلح – تحدى ظروفه وإمكاناته- تبنى كيم الأول سياسة الاعتماد على الذات أو الزوتشية – ولا عجب فقد كان معجبا بالرفيقين ستالين وماو سي تونغ. ضمن لبلاده مكانة في موازين القوى الإقليمية – نجحت كوريا الشمالية في تطوير الأسلحة والتقنيات النووية- أزعجت المنطقة بصواريخها العابرة – قدمت الصاروخ على الأرز " غالب قوت أهل البلد" - وعادت لترهن التفاوض حول ترسانتها المرعبة بالحصول على مساعدات غذائية. رحل كيم الأب سنة 1994 - بكاه الكوريون الشماليون -خلفه الابن كيم جونغ إيل – وبكاه شعبه بحرقة أيضا– لم تبالغ وكالة الأنباء الرسمية عندما قالت "الشعب يتلوى من الألم والحزن" فحب الزعيم ثقافة إلزامية في الحالة الكورية الشمالية. مات كيم الثاني عن 69 عاما - مات الزعيم الذي لا يفتأ الإعلام الرسمي يذكر العالم بأن قوس قزح ارتسم في الأفق وأن نجمة بزغت في السماء عند مولده. وسيعود ذات الإعلام ليعلن عبر مذيعة تنتحب بان كيم جونغ إيل توفى اثر نوبة قلبية فاجأته عندما كان على متن قطاره يتفقد أوضاع البلاد وعزت المذيعة المنتحبة الوفاة إلى إرهاق فكري وجسدي كبيرين – كيم الذي برع في إنتاج الصواريخ كان يخشى ركوب الطائرات - ظل يتنقل بقطاره المصفح لذلك لم يزر الرجل سوى موسكو وبكين. عرف عنه ولعه بالسينما الأميركية – ويقال إن الأفلام كانت تصله طازجة ليستمتع بمشاهدتها في قصره بينما فرض على شعبه سينما الدولة التي تمجده . مات الزعيم في 17 ديسمبر ولم تعلن وفاته إلا في 19 ديسمبر – يومان احتاجتهما السلطات في هذا البلد المغلق لترتيب نقل السلطة لكيم الثالث الذي لم يكمل عامه الثلاثين- أمام الزعيم الجديد فسحة من الوقت بل كل الوقت ليحكم ويتعلم طالما انه محاط بذات الهالة من القداسة التي أحاطت بجده ووالده- أو السلالة التي تحكم باسم الاشتراكية - في أكثر تجاربها تزمتا وانغلاقا.