المواصلات.. وجه آخر للمعاناة الخرطوم: مشاعر أحمد يبدو أن الإشكالات التي أفرزها الخريف ليست مقتصرة على تدمير المنازل وقطع الطرق وإغراق الاحياء فبالتوازي مع ارتفاع معدلات الامطار ارتفعت حدة أزمة المواصلات التي تناقصت مركباتها بشكل كبير في معظم الخطوط الطولية الرابطة بين الخرطوم وضواحيها بشكل خاص وأضحى المواطنون ينتظرون ما يقلهم إلى وجهاتهم وإن وجدوها يدفعون ضعف قيمة التعرفة في الكثير من الاحيان. فيما يلي نحاول البحث في هذه النسخة الجديدة من الأزمة القديمة التي أعيت المعالجين.. مشاهد في موقف الكلاكلة شرق (آخر محطة) تتجسد معاناة المواطنين مع المواصلات وفي موقف كركر أو بالاحرى في كبري الحرية الذي تحول بقدرة قادر إلى موقف يتكرر ذات المشهد بكل تفاصيله المتكونة من حشود بشرية تترقب المركبات وتهرع إليها عندما تلوح مسرعة ثم تعود مكسورة الخاطرة مقطبة الجبين وفي مشاهد أخرى فرعية تتم مفاصلات بين السائقين والركاب حول التعرفة التي يفترض أنها محددة بمنشور رسمي ملزم للجميع ولكن في ظل غياب الرقابة فإن تلك التعرفة ليس لها مكان في الواقع الذي تسمع فيه عبارات (يا معلم أشحن اللفة على (3) ... لا القبة الشيخ النذير على (4) ... (يا ولدنا اشحن شرق على (3) ... لا شرق ما بنمش شارعا وناسا كعبين) تتم هذه المفاوضات جهارا والشمس لا تزال تتسكع في السماء. وتحدثت (السوداني) مع عدد من المواطنين ومنهم سمية آدم (الطالبة جامعية) امدرمان الإسلامية تقول إن قصتها مع المواصلات طويلة فهي تنتظر قرابة الساعة وتمتد أحيانا لأكثر من ذلك فتضطر للعودة إلى المنزل وتصرف النظر عن اليوم الدراسي وفي طريق العودة يحدث ذات الشيء والجديد هو أن سعر التذكرة يضاف إليه جنيه أو جنيهان. اما قصي الطيب فيحمل المسئولية لحكومة الولاية ويقول إنها غائبة تماماً عن مواقف المواصلات وبعيدة عن هموم المواطنين. ويتفق معه أبو بكر عبد المجيد الذي أضاف أيضاً أن هناك ما أسماه بتغييرات كثيرة حدثت في الشخصية السودانية التي قال إنها شخصية مادية تسعى إلى الكسب في كل الظروف وتستغل شرائحها بعضها البعض بطريقة بشعة وأرجع ذلك إلى غياب القانون الذي يردع المستغلين أمثال بعض سائقي الحافلات الذين لا يراعون حال هذه الحشود المنتظرة ولا كبار السن والنساء والمرضى الذين بينهم. * تشخيص والتقينا أيضا بعدد من السائقين بموقف (كركر) وتحدثنا معهم فاتفقوا على أن الخريف والوضع الذي خلفته الامطار أثرا على حركة المواصلات وتسببا في تقليل عدد المركبات العاملة في خطوط المواصلات وتسبب سوء حالة الطرق في بعض الخطوط في امتناع السائقين عن الذهاب إليها ؛ كما أن غالبية المركبات لا تعمل بذات الوتيرة التي كانت تعمل بها قبل الخريف فتقل عدد رحلاتها ويصبح الهدف من العمل توفير الاحتياجات اليومية للعاملين وللمركبة. ويضيف أحمد (ود البله) أن مشكلة الموصلات سببها الاساسي هو الأعطال وعدم قدرة أصحابها على صيانتها وهناك آلاف الحافلات الآن في الورش أو أمام البيوت لأن الصيانة فوق طاقة أصحابها فمثلاً عمرة الروزا تكلف أكثر من (8) ملايين جنيه و(جوز اللساتك) (1800) جنيه) والحل الوحيد إذا كانت الحكومة جادة في معالجة المشكلة هو دعم قطع الغيار بدلاً من التنظير وتغيير المواقف (بلا شغلة). ويضيف أن توقف معظم (بصات الوالي) يؤكد أن المشكلة مشكلة تكاليف تشغيل ورفض تحميل مسئولية الازمة لسائقي الحافلات وقال إن الحافلة (تصرف) أموالا طائلة حتى تتحرك ولأن هناك من يستثمر فيها وينتظر من ورائها عوائد لذلك فإننا نضطر لزيادة التعرفة أو تجنب الخطوط التي بها مخاطر والسبب في ذلك هو ارتفاع اسعار الوقود والاسبيرات والصيانة ويختم قائلاً (أنا الفردة لو بتعمل لي (60) جنيها للكلاكلة شرق لكن ممكن أقع في حفرة والصيانة تكلفني الف جنيه). هذا أو الطوفان ويشرح سائق الهايس مدني عثمان المشكلة باستفاضة ويقول إن الخريف ساهم في أزمة المواصلات لأنه تسبب في الكثير من الاشكالات أبرزها هو الاعطال التي تسببها المياه التي تؤثر في الجلود و(تقلبها حسب تعبيره) وفي تؤدي أيضاً إلى تخريب القماشات وهذه الاجزاء كلها تتبع لجهاز الكوابح (الفرملة) و أحيانا يصل تأثير المياه إلى (مساعدات الياي) فتفقد فعاليتها وتكون المركبة في هذه الحالة معرضة لأعطال أكثر حال لم يتم صلاحها و(الركب) أيضاً تكون معرضة للتلف حال تعرضت للمياه باستمرار هذه الاعطال بمختلف أنواعها يكلف معالجتها الكثير من المال والوقت وهو الامر الذي يؤدي إلى تناقص المركبات العاملة في خطوط المواصلات فضلا عن أن بعض أصحاب الحافلات خوفاً من هذه المخاطر يتوقفون عن العمل في هذه الظروف. ويمضي مدني في سرده ويقول إن مياه الخريف تتسبب من جهة أخرى في خلق الاختناقات المرورية لأنها تغلق في الكثير من الأجيان الشوراع الجانبية (الترابية) التي كانت تلجأ إليها المركبات في لحظات الزحام ؛ ومن جهة أخرى فان الامطار تصيب جسد شوارع الاسفلت بالتلف ويحدث فيها حفر ويزيد من عمق وسعة الحفر الموجودة أصلاً ولأن هذه (المطبات) عادة تكون تحت الماء فإن سائقي الحافلات لا يسرعون في الطريق فتصبح الحركة العامة بطيئة في الكثير من الشوراع ويقول مدني ( مثلا في خط الكلاكلة شرق السوق المركزي تعطل الشارع الرابط بين شارع الهو وتقاطع الميناء البري تماما خلال الايام الماضية فاستحدثنا طريقا جديدا يمر بوسط السوق المحلي وينتشر فيه برك المياه وسبب هجرتنا للشارع المقفول هو المطبات الكثيرة التي مع ضيق الشارع وازدحامه يؤدي إلى توقف الحركة لوقت طويل). ويعود مدني للأعطال ويقول إن صيانتها يكلف الكثير ولذلك والحديث لازال لمدني يزيد السائقون التعرفة باضافة جنيه على التعرفة الرسمية التي قال إنها لم تعد مجدية بالمرة بعد ارتفاع تكاليف التشغيل بالزيادات المتوالية في أسعار الزيوت والجازولين و التصاعد الجنوني لأسعار قطع الغيار التي تضاعفت إلى أضعاف كثيرة ... ويشير بيده إلى مركبته (هايس تايوتا) التي كانت تخضع في تلك الأثناء للصيانة ويقول أصلاً قطع غيارها كانت مرتفعة السعر والأمر يزداد سوءا ، الاستارتر مثلا كان في حدود مئتي جنيه الآن سعره يتراوح ما بين الفين وألفين وخمسمئة جنيه (حسب الحالة) ونحن هنا نتكلم عن المستعمل وليس الجديد الذي لم يعد بقدرة أحد شراؤه وفي الوقت تتزايد فيه أسعار الإسبيرات فإن نسبة الزيادة التي قررتها الحكومة على التعرفة في حدها الأقصى لا تتجاوز ال(30%) وفي الأدنى (20%) و الأزمة التي تتحدثون عنها نتيجة طبيعية للخلل في معادلة تكاليف تشغيل المواصلات وعائدها وأدى إلى خروج الكثير من وسائل المواصلات عن الخدمة وسيتواصل نزيفها إلى أن يحدث توازن بين الكفتين سواء بتوفير قطع الغيار بأسعار مجزية وتطبيق بعض الإعفاءات أو زيادة التعرفة التي اعتقد أن تقديرها كانت عملية سياسية بحتة لا علاقات لها بحسابات الربح والخسارة ونحن كعاملين في هذا القطاع نقدر ونتفهم موقف الحكومة المنطلق من مراعاة أوضاع المواطنين وعدم إثارة غضبهم بزيادات كبيرة على التعريفة ويشير مجددا إلى مركبته ويقول ... (لكن دي ما بتفهم نوع الكلام دا إذا ما وفرت ليها الإسبير مهما كان سعره بتقيف) ويقول أنه متأكد أنني في النهاية سأتوقف عن العمل في المواصلات لأنني أصين بالدين والديون تتراكم وأسير في ذات الطريق الذي أدى إلى خروج الكثير من الزملاء من العمل. مواضع الخلل وتحدثت (السوداني) مع فني الميكانيكا يوسف البشير حول الاعطال التي تصيب المركبات في فصل الخريف وعن المدى الزمني التي تستغرقها في التصليح وايضا عن التكلفة البشير ابتدر حديثه بأكثر أعضاء المركبة أعطالا في فصل الخريف قال إن الفرملة والكلتشي (جهاز فصل التعشيقة) والطارة والبوبينا او الحساس (موصل الكهرباء في المركبة) قال هذه اكثر الاشياء التي تتعرض الي الاعطال واضاف اليها ايضا السيور المحركة للماكينة التي تصاب بجفاف او يدخلها تراب كما ايضا سألناه عن المدة التي يستغرقها في تصليح كل من هذه الاعطال فقال إن الزمن يكون حسب العطل وحسب الاسبير فقال اذا توفر الاسبير فان الفرملة مثلا تصليحها لا تستغرق اكثر من ساعتين و الكلتشي ساعة واحدة وايضاً الطارة والدوبدياش تستغرق ست ساعات اما البوبينا او الحساس فهي تستغرق من ثلاث الى اربع ساعات والسيور فهي تستغرقه ساعة واحدة من الزمن. كما استفسرنا يوسف البشير حول الاعطال التي تتسبب فيها المطبات فرد قائلاً إن المطبات تتسبب في (تقضيم) بلالي الضرعات التي توجد في اطارات المركبة وفصل مساعدات الياي الذي يوجد تحت العجل وايضا تسبب في كسر ياي الامية في العجل واضاف أن اسعار التصليح كل هذه المعدات تكون حسب سعر الاسبير في السوق حيث انه يرتفع هذه الايام وايضا لكل ورشة سعر مصنعية مختلف.