إن المتتبع لنشاط سوق الخرطوم للأوراق المالية يلاحظ أن الحركة راكدة وغير نشيطة، وهذا الوضع لا يخدم الغرض الذي تم إنشاء سوق الخرطوم لتحقيقه. نقول هذا، لأن أسواق المال والبورصات تنشأ أساسا لفتح المجال أمام الجمهور للاستثمار في أسهم الشركات والصناديق المدرجة في السوق. ومن هذا النشاط الاستثماري يتم تحريك قطاع كبير من الاقتصاد الوطني نظرا لأن ضخ الأموال يمكن الشركات من زيادة أعمالها لرفع الإنتاج أو العمل على تحسين خدماتها وفي نفس الوقت توفير فرص عمل إضافية وفتح نشاطات تجارية جديدة مع شركات أخري. وكل هذه الحركة المتداخلة في بعضها تصب في صالح التنمية وبما يعود بالمصلحة على الجميع. والكل يعول على نشاط أسواق المال لأن هذا النشاط هو عبارة عن مرآة للحركة الاقتصادية والتجارية في البلد خاصة وأن هذه المرآة تعكس حقيقة النشاط الدائر ومقدار الأموال المتحركة في السوق وحدود دورانها وقوته في القطاعات المختلفة. فهل قامت سوق الخرطوم للأوراق المالية بهذا الدور؟ وهل فرضت سوق الخرطوم للأوراق المالية نفسها حتى يلجأ المستثمرون لها ولتقاريرها ولبياناتها ومن ثم يحددون خطواتهم الاستثمارية؟ وهل؟ والأسئلة كثيرة وأكثر من هل؟ ربما نقول إن هذا الموضوع يمثل تركة كبيرة وأن هناك أشياء خارج عن إرادة إدارة السوق. كل هذا جائز، ولكن لا نذهب بعيدا ولنحصر المطلوب عمله في صميم مهام السوق، وما نراه ماثلا في الأسواق الأخرى، ولنعمل على تحديد نطاق عمل السوق ومن ثم توسيع هذا النطاق ليتم انتشال سوق الخرطوم من غفوته ودفعه للأمام. وعلى إدارة السوق أن تبدأ في العمل الجاد لتحريك السوق وجعلها واجهة اقتصادية نشطة لتوفير طاقات استثمارية جديدة. ولنبدأ بالوسطاء وما أدراك ما الوسطاء؟ إنهم قلب السوق النابض وإذا خمد الوسطاء خمد السوق ومات بالسكتة القلبية. ولذا يجب التأكد من أن الوسطاء في سوق الخرطوم للأوراق المالية لديهم المعرفة والتأهيل الكافي للقيام بمهمة الوساطة بما في ذلك تقديم الاستشارات الفنية السليمة. كقاعدة في أسواق المال فإن البيع والشراء لا يتم إلا عبر الوسطاء، وهذا مبدأ أساسي يهدف لحماية المستثمرين في السوق وإذا لم تتوفر هذه الحماية للمستثمرين من الأفضل قفل السوق ووقف العمل. وكقاعدة قانونية فان أهداف وفلسفة قوانين أسواق المال تقوم على توفير الحماية الكاملة للمستثمرين. وفي تحقيق هذا المنحي تم تحديد التزامات معينة على الوسطاء تجاه إدارة السوق، كما عليهم التزامات تجاه العملاء. هذا ويجب على الوسطاء الحرص على تنفيذ هذه الالتزامات المزدوجة وعدم الخلط بينهما، بل يجب تنفيذ كل دور مع المواءمة بينهما حتى يتحقق الهدف بخدمة العميل مع حمايته وفق ضوابط السوق وإجراءاته. ويمكن للوسطاء، الملتزمين بالمهنية، لعب دور كبير مع إدارة السوق في تطوير العمل وزيادة المردود وجعل السوق واجهة اقتصادية تهدف لاستقطاب المزيد من رؤوس الأموال وصناديق الاستثمار وتوفير أفضل منصة لبيع الشركات العامة وخصخصتها. إن التفاعل في العمل مع الحرص على تكامل الأدوار بين إدارة السوق والوسطاء من الطبيعي أن يجعل قاعة التداول خلية نحل وحاضنة حقيقية وسليمة لعمليات تداول نشطة وكبيرة ومتتابعة، وكل هذا من الممكن أن يتم إذا حرصت السوق على تقديم المزيد من الحوافز والمنشطات والمغريات الاستثمارية مع الحرص على توفير بيئة استثمارية محكومة بضوابط قانونية وأحكام ومعايير مهنية. ولشحذ همم الوسطاء، لا بد أن يطلب منهم زيادة إمكانياتهم المهنية والفنية مع وضع حدود زمنية لهم للالتزام بهذا التوجه، وقطعا وجود وسطاء أكفاء سيدعم إدارة السوق في رفع مقدرات العمل وتطويره. ولتفعيل الحركة في سوق الخرطوم فلا بد من إعادة النظر، وبجدية، في تركيبة الشركات المدرجة في السوق لأن هذه التركيبة تشكل أحد أهم العوائق خاصة وأن غالبية حملة الأسهم فيها لا يرغبون في بيعها ولا يتنازلون عنها بل يكتفون بالأرباح السنوية. وهذا بالطبع يحدث لأن غالبية حملة الأسهم، سواء من المؤسسات العامة الحكومية أو من المستثمرين الكبار، لا يفكرون في البيع ولذا تظل النسبة العظمى من أسهم الشركات المدرجة "مجمدة" وخارج "الكوتة" مما يجعلها غير قابلة للبيع تحت أي ظرف من الظروف. وهذا الوضع يعيق بل يشل نشاط السوق لأن البضاعة المعروضة قليلة جدا ومهما كانت هناك حركة في السوق فإن المردود يكون قليلا. ومثل هذا الوضع المخيف يشكل هاجسا لإدارة الأسواق ويجب عليها أن تتحرك لإيجاد المخارج البديلة. ومع إعادة النظر في تركيبة وهيكلية الشركات المدرجة في السوق، فان الأمر يقتضي أيضا إعادة النظر في توسيع قاعدة القطاعات المدرجة في السوق. وكما نلاحظ فان القطاعات المدرجة بسيطة جدا لا تتيح الفرصة للحركة لانعدام التنوع وهذا يتطلب العمل الجاد لإضافة قطاعات أخري، وكذلك إيجاد قطاعات تخصصية جديدة لإغراء المستثمرين كإغراء البنوك مثلا لعمل صناديق استثمارية لأغراض عامة أو خاصة للمساكن أو السياحة مثلا وإدراجها في السوق. أو إغراء شركات الاتصالات لعمل شركات خاصة كمراكز اتصال وتوفير الخدمات المشابهة وإدراجها في السوق. والأمثلة كثيرة لمن يبحث. نقول هذا لأن أرض السودان ما زالت مليئة بالفرص و "بكر" تحتاج لمن يخطب ودها، ومثلا السودان بلد الزراعة والثروة الحيوانية والصمغ العربي ... ولا توجد شركات في السوق بحجم هذه المجالات والشركات الموجودة في سبات بالرغم من أن هدف أسواق المال مدها بالدماء الجديدة. وأيضا مع النشاطات المحمومة للأفراد والقطاع الخاص في قطاع الذهب والتعدين لا نجد شركات مدرجة في السوق... وكذلك بالرغم من النشاطات والبحث شرقا وغربا عن المستثمرين في البترول... لا توجد شركات في السوق... وكل هذه القطاعات الواعدة فيها قابلية كبيرة لجذب أموال المستثمرين وتجميعها وتدويرها عن طريق سوق المال وإتاحة الفرصة للجميع للمشاركة في جني أرباح الاستثمارات وفي نفس الوقت تحريك اقتصاد البلد وفتح المجال للقطاع الخاص للمساهمة في هذه القطاعات عوضا عن الحكومة... كل هذه الفرص موجودة، فهل تحركت إدارة السوق في أي من هذه الاتجاهات أو بحثت أو نقبت أو درست أو رشحت، أم تنتظر أن ينهمر عليها الغيث ويأتيها وهي قابعة في مكانها وموظفيها "مسمرين" في مكاتبهم وتدور عجلة السوق وعجلة الزمن في الفاضي؟. نذكر قبل فترة دار لغط كبير عن راتب ومخصصات مدير السوق، وكان الدفاع أن من يعملوا في أسواق المال رواتبهم خاصة وامتيازاتهم معينة، وهذه حقيقة لا ننكرها، ولكن في نفس الوقت أيضا فان أعمالهم ومهامهم خاصة ويجب أن تنطبق عليهم قاعدة "الغرم بالغنم" فهل طبقناها؟ أم يتم استلام الراتب ك"غنم" وحق وتدور عجلة السوق في سراب بدون "غرم". إن ما يفعله مسئولي الأسواق والبورصات، في أي مكان، شبيه بعمل التوربينات التي لا تتوقف عن توليد الطاقة لأن طبيعة عمل الأسواق تتطلب هذا. إن تحريك سوق الخرطوم يحتاج لتفعيل دور الوسطاء ومراجعة هيكلة الشركات المدرجة والصناديق الاستثمارية مع البحث عن قطاعات جديدة لفتح مجالات استثمارية جديدة غير تقليدية والفرص لا تحصى، وقبل كل هذا لا بد من وجود كفاءات بشرية ذات عزيمة وهمة في العمل وبذل الجهود بعيدا عن الروتين والبيروقراطية الحكومية. ولننظر للأسواق حولنا ولنلاحظ ما يفعلونه لتطوير أسواقهم... وإذا حاولنا المقارنة سنجد الفرق واسعا بالرغم من أن الفرص القابلة للاستثمار موجودة عندنا ولكنها تحتاج لمن يشمر ساعديه ويعمل بقلب سليم.... فهل نفعل؟ يتبع... د. عبد القادر ورسمه غالب المستشار القانوني وأستاذ القانون بالجامعة الأمريكية بالبحرين Email: هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته