اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية ، لكن هنا عندنا اختلاف الرأي يفسد للود ألف قضية .وربما يفسد الود كله وكل العلاقات ويصبح التنافر والخصام والفجور في الخصام والعداوة ، ونحن نرى هذا الأمر يحدث كل يوم في بلادنا في الفضائيات وفي مساجدنا وفي أنشطتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية . هذا الوطن قد يضيق أويتسع بحجم اعترافنا بالآخر، فباعترافنا بالآخر يتسع الوطن للجميع ، وغير ذلك يضيق حتى على الناس داخل الحزب الواحد ولقد ضاق على البعض داخل الحزب الواحد فكان الانقسام والانشطار . إن حياتنا تحتاج للمساهمة من الجميع في جوانبها المختلفة الفكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية. غير ذلك سنظل نتعثر دوما، وتضيع منا السنوات في الاختلاف والصراعات . تقدم الوطن وتطوره يستلزم تكامل الآراء وتبادل الخبرات، فكيف نستطيع أن نستفيد من آرائنا المختلفة، لأن الاختلاف في الآراء إضافة ولكن بإقصاء الآخر نجعله نقصان ، كما أننا لا نستطيع إقصاء الآخر لأنه أساساً موجود . نجد أن البعض هنا وهناك قد تعودوا على إقصاء الآخر لأنهم في حقيقة أمرهم يخشون الآخر ، ولايدركون أن الحياة تزينها الآراء المختلفة فالآراء المختلفة تكمل بعضها البعض. إن الاختلاف شيء إيجابي ونعمة من نعم الله سبحانه وتعالى على العباد. هناك كثير من المعارك والحرب النفسية والكلامية منها ما هو معلوم ومنها ما هو مخفي كان سببها عدم تقبل الرأي الآخر والاتجاه لإقصائه وإبعاده . وربما تصل مرات لمراحل صعبة وخطيرة فتكون الاغتيالات وحوادث الاعتداءات ليبرز من وراءها عدم تقبل الآخر. إن مجتمعنا عرف بالخلافات وعدم التوافق والسبب يعود إلى عدم بروز مفهوم تقبل الآخر في ثقافتنا . مسألة قبول الآخر مسألة ضرورية، فالضرورة تستلزم علينا أن نبحث دوماً عن المنطقة المشتركة بيننا والآخر .إن الذين يميلون لإقصاء الآخر تارة ببعض العبارات الاستفزازية الخارجة عن نطاق اللباقة وتارة ببعض الأفعال التي تؤدي لإحداث الفرقة بين الناس تجدهم معروفين والناس قد ملت عباراتهم وأحاديثهم هم لم يجدوا لهم ميزة أخرى يتميزون بها من القيم النبيلة مثل التسامح والتراحم . نحن قد نحتاج إلى الشجاعة والجرأة لنتقبل الرأي الآخر، وكما يعلم الجميع فنحن نملك خاصية تتمثل في صعوبة التفاهم مع الآخر وتقبل النقد منه، ونحارب بشدة مَن يُخالفنا في الرأي ولا نقر له وجوداً إذا رفض رأينا وقولنا؛ وهذا يَحمل مفهوماً مُناهضاً للتعددية الفكرية والسياسية ولا ينتمي إلى المنهج الديمقراطي السليم. الأمر الحتمي لقبول الرأي الآخر هو الإيمان بمبدأ الديمقراطية وغرس ثقافة قبول الآخر والأخذ بأفضل الآراء الحسنة. وعندما نؤمن بهذه الآراء أو بعضها سيكون من السهل التواصل مع الآخرين بأفكارهم وآرائهم المختلفة، فلا يكون هناك إقصاء ولا إلغاء للآخر،والديمقراطية لم تأتِ لإلغاء الأقلية بل أنها جاءت من أجل حماية الأقلية من جبروت الأكثرية. وتطوير المجتمع يحتاج كثيراً إلى التجديد وتنقيح الآراء والأفكار والمعارف والاستفادة من التجارب الإيجابية للآخرين والابتعاد كثيرًاعن تحجر المواقف وتصلبها. إن تقبل الآخر هو المرآة التي تعكس الديمقراطية في مجتمع ما .هل هي ديمقراطية فعلية أو صورية. إذ إن أهم شيء في الديمقراطية هو قبول الآخر،وغيره تصبح الديمقراطية صورية ونكون قد اخترنا تكبيل الديمقراطية بأغلال الدكتاتورية. يجب علينا التعامل مع الآخر والتعايش معه ضمن معايير اجتماعية وإنسانية تعترف بوجوده وأنه قادر أن يُساهم ويُشارك في الحياة الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية . إن قيمة الحرية والرأي الآخر لا تظهر قيمتها في ما نحمله من رأي أو فكرة، ولن يكون لها محل إن لم نحترم رأي الآخر وفكرته حتى وإن لم يتفق معنا في رأيه وتعارضت معنا فكرته،إن عدم الاتفاق مع الرأي الآخر لا يعطينا ذريعة الخوف أو إقصائه أو تجنبه أو معاداته وتهميشه. لابد من أن ندرك حق الآخرين في الاستماع الجيد إليهم ومناقشتهم في رأيهم، وتقبل رأيهم إذا ما ثبتت صحته والاعتراف بصوابه إذا تبين لنا ذلك. وأن ننظر إلى كل هذه الأمور على أنها اختلاف مفيد وعلى أنها ثراء وغنى. يضرب الإمام الشافعي المثل في قبول الآخر وهو يقول: "رأيي صواب يحتمل الخطأ ،ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب" ، من يملك هذه العقلية المنفتحة له الاستعداد لقبول الأفكار الأخرى والاستماع إليها. إن القبول بالتعدد يتضمن التسليم بالاختلاف والتنوع فالاعتراف بالغير هوالنتيجة الأولى التي تترتب على التسامح والقبول بالتعددية والعكس صحيح الديمقراطية تكمن في تجسيد معنى الاعتراف بالآخر وقبوله على قاعدة من المساواة والندية والتكافؤ وتعلمنا أيضاً احترام الرأي الآخر. إن استمرار تقدم المجتمعات وتواصل نهضتها لا يمكن أن يتحقق على أساس زعم تيار واحد وإنكار حق الآخرين في التعبير عما يعتقدون به ، ولكن تبنى المجتمعات على التفاعل الحر بين سائر التوجهات الفكرية بهدف الوصول إلى أفضل الآراء التي تستجيب لاحتياجات الأغلبية وترجمة هذه الآراء إلى سياسات وممارسات عملية . لا يكفي استعراض بضعة صناديق اقتراع، وحمل بضع أوراق تصويت ،وإقامة المهرجانات بنسبة ترجيح تتجاوز ال90 في المائة كما يحدث في دول عالمنا العربي والإفريقي دليلاًً على الديمقراطية دون تقبل للآخر . عن طريق التواصل مع الآخر تتكون المعرفة عن طريق التواصل مع الآخر ويزداد تبادل الخبرات وتثرى التجارب للأفراد وتزول الأفكار السلبية التي ترتبط بذهن الإنسان عن غيره . لكن إذا عرفت الآخر فإنك ستأخذ منه وسيأخذ منك فالعملية متبادلة مما يستوجب معرفة ما لدى الآخرين ، وبهذا يزداد احترام آراء الآخرين .إن الآخر لايهددني بل يكملني لأن ثقتي بما لدي كبيرة والأخر المجهول أصبح معلوماً بفضل معرفته والتقرب منه وفهمه، وتثرى التجربة الإنسانية نتيجة تقبل الأفراد لبعضهم ونتيجة توجيه العقل البشري بما فيه خير لمصلحة الإنسان بعيدا عن التعصب الأعمى وتأجيج الصراعات وإلغاء الآخر الذي لا يمكن إلغاؤه لأنه موجود. وبهذا يشعر الفرد بالرضا والتسامح والمحبة، ويبتعد عن الحقد والكره وتزداد فرص النجاح . هناك العديد من المفاتيح التي يمكن أن توصلنا إلى تقبل الآخر ومنها نتعايش على التسامح والمحبة وحرية الفكر والتعبير .