في ورقة قيمة قدمها مؤخراً الخبير الاقتصادي محمد خير الزبير، أشار إلى أن الرؤية المستقبلية لإصلاح الاقتصاد السوداني خلال الخمسة أعوام القادمة (البرنامج الخماسي) تستند إلى اتباع استراتيجية التنمية الاقتصادية المتوازنة، كاستراتيجية مختارة لتحقيق التنمية وإحراز نسب نمو اقتصادي عالية. هنا يجب أن يدور نقاش علمي موضوعي هل علينا اتباع هذه الاستراتيجية أم استراتيجية أخرى. على المستوى النظري هناك عدة استراتيجيات أو مبادئ تتبع لإحداث التنمية، فمثلاً هناك استراتيجية الدفعة القوية التي تقوم على أساس إغراق الاقتصاد الوطني بحجم ضخم من الاستثمارات التي توجه لبناء مشاريع القاعدة الأساسية من طرق ومواصلات ومشاريع إنتاج الطاقة وغير ذلك من المشروعات عالية التكلفة الغير قابلة بطبيعتها للتجزئة. وهناك نظرية التنمية القطبية التي تقوم على تركيز الجهود والاستثمارات على صناعة استراتيجية معينة، تسمى الصناعة القائدة أو الرائدة، تتمتع بآثار تحريضية كبيرة. وتفترض النظرية أن تأمين متطلبات هذه الصناعة يؤدي بالضرورة إلى تحريك مجموعة كبيرة من الصناعات والأنشطة المكملة إلى أن يعم النشاط الاقتصادي مختلف فروع الاقتصاد الوطني. وتأتي ثالثاً نظرية التنمية المتوازنة، التي ترى توجيه السياسة الاستثمارية إلى جبهة عريضة من المشروعات الصناعية والزراعية المتكاملة، بحيث تمثل كل صناعة منها سوقاً مواتية للصناعات الأخرى، وبهذا تعمل النظرية على توسيع السوق الوطنية وخلق الحافز المشجع لمزيد من الاستثمارات. أما مبدأ التوازن بين هذه الصناعات، فيرتكز علي مقولة أن قيمة الناتج في كل صناعة يخلق دخلاً موازياً لهذه القيمة، يُوجه لشراء منتجات تلك الصناعة، ومنتجات الصناعات الأخرى. وتأتي رابعاً نظرية التنمية غير المتوازنة، التي تركز على توجيه الاستثمارات إلى عدد محدود من الصناعات والمشروعات الزراعية والخدمية الرائدة، القادرة على إحداث أكبر أثر يحفز على الاستثمار في صناعات وأنشطة أخرى. ويكون هذا التركيز قطاعياً وجغرافياً. أنصار هذه النظرية يرون ضرورة أن تتركز الاستثمارات على الصناعات الأكثر تحريضاً. أي الصناعات الاستراتيجية، ذات الأثر الكبير في التحفيز على القيام بنشاط استثماري لاحق، بدلاً من تشتيت العمليات الاستثمارية على عدة جبهات مختلفة الأهمية. تتفق نظرية التنمية المتوازنة مع نظرية التنمية غير المتوازنة في أن عملية التنمية تبدأ بتجاوز عتبة الركود الاقتصادي الذي يحتاج إلى دفعة قوية من الاستثمارات. إلا أن نقطة الاختلاف الأساسية تكمن فى حجم هذه الدفعة، وطبيعة المشروعات التي توجه إليها، ومكانها جغرافياً. بالتطبيق على السودان فإن تنفيذ برامج التنمية المتوازنة، على نحو ما أشار إليه البرنامج الخماسي المقترح، يتطلب كتلة هائلة من رؤوس الأموال غير المتوفرة لدينا حالياً بسبب ضعف المدخرات المحلية، والتحديات التي تواجهنا في استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر، أو المعونة الإنمائية الرسمية من مؤسسات التمويل الدولية. عليه من الأحسن العمل بنظرية التنمية غير المتوازنة، بالتركيز على مشروعات محددة في ولايات خالية نسبياً من المشكلات والمعيقات وأقرب للأسواق، بدلاً من أن نقوم بتشتيت مواردنا الضعيفة أصلاً على جبهة واسعة من المشروعات ثم لا نجني شيئاً. فلنكوّن الثروة أولاً ثم نشرع في توزيعها بعد ذلك. والله الموفق. د/ عادل عبد العزيز الفكي هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته