التقى السيسي والقيادات المصرية البشير في القاهرة.. والخرطوم في انتظار الحصاد تقرير: محمد حمدان هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته عندما لامست "عجلات" طائرة الرئيس عمر البشير مطار القاهرة الدولي، وقتها عقارب الساعة تجاوزت الظهيرة بقليل. قاهرة المعز نظمت استقبالاً حافلاً وحاشداً للبشير، وتقدم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مستقبلاً البشير بابتسامة هادئة، مرتدياً بدلة أنيقة محكمة بربطة عنق محكمة، وعيناه تكسوهما نظارته الشمسية. الزيارة تعتبر الأولى من نوعها منذ التغيير في 30 يونيو المصرية، التي أحدثت تحولات جذرية في المسرح السياسي المصري والإقليمي، والتي ما زالت تتكشف يوماً تلو آخر، غير أن قضايا مهمة بين البلدين كانت تنتظر الإجابات، أبرزها قضية منطقة حلايب وشلاتين، وحوض النيل وسد النهضة، بجانب قضايا التجارة والحدود، وربما بعض الملفات الإقليمية، وأهم تلك الملفات الملف الليبي. شهدت مصر تغييرات مهمّة بفعل ثورة 25 يناير المصرية، وما أعقبها من صعود جماعة الإخوان للحكم، وإلى قيام ثورة 30 يونيو، أو بمسمى آخر، انقلاب 30 يونيو؛ والتي أطاحت بحكومة الرئيس المنتخب محمد مرسي المرشح عن جماعة الإخوان المسلمين، وما ترتب على ذلك من تغييرات وانتخابات أفضت إلى وصول الجنرال عبد الفتاح السيسي إلى سدة الحكم في أم الدنيا. خلال تلك الفترة تأثرت علاقات البلدين بحالة السيولة جراء المشهد الدرامي الذي ساد مصر لجهة عدم الاستقرار السياسي، رغم أن علاقاتهما لم تكن في أحسن أحوالها في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، إلا أنها بدأت بخطوات متنامية نسبياً في عهد مرسي الذي سجّل زيارة للخرطوم في أبريل من العام الماضي على رأس وفد رفيع، تُوجت بتوقيع عدد من الاتفاقيات. ويبدو أن البلدين بصدد فتح علاقات جديدة قائمة على أرضية من الثقة وتبادل المنافع، ويتضح ذلك في خطوات الجنرال السيسي الذي زار الخرطوم في يونيو من هذا العام، وقدم الدعوة إلى البشير لزيارة القاهرة. الزيارة تستغرق يومين، واُبتدُرت أمس باستقبال حافل وحاشد، واجتماعات مارثونية بين البشير ونظيره السيسي. ويرى عدد من الخبراء أن زيارة البشير مفتاحية لعلاقات إستراتيجية للبلدين، عبر التركيز العميق في القضايا المشتركة كمياه النيل وسد النهضة والتبادل التجاري والانفتاح الاقتصادي بشكل أكبر، غير أن قضية حلايب وشلاتين لا زالت عقبة لم يتم تجاوزها، وتبرز بين الفينة والأخرى إلى السطح، وتفرض نفسها واقعياً كمشكل يبحث عن حل. كسر الجمود سفير السودان بجمهورية مصر العربية، عبد المحمود عبد الحليم، قال في تصريحات صحفية عقب لقاء الرئيسين، إن البشير حظي باستقبال حافل وحاشد، عندما حطت طائرته بمطار القاهرة منتصف نهار أمس، والسيسي في مقدمة المستقبلين. وكشف عبد الحليم عن التئام اجتماع مغلق استمرّ قرابة الساعة، بحث كافة الملفات السياسية والتجارية والاستثمارية بين البلدين، وعاد الرئيسان بعد ذلك، ومن ثم انضم الوفدان بكامل هيئتيهما الوزارية من الطرفين، مشيراً إلى أن اللقاء بحث علاقات راسخة ومتميزة عبر مباحثات مهمة للغاية وربما كسر الجمود، معتبراً إياه نقطة تحول أخرى على صعيد علاقات الخرطوموالقاهرة. ووصف عبد الحليم المباحثات التي جرت بالصريحة والواضحة والمفعمة بأهمية تعزيز العلاقات بين السودان ومصر، وتحدث الرئيس السيسي وأوضح اهتمام مصر بحدودها وعلاقاتها مع السودان، وأشار إلى أن الوقت قد حان لخلق علاقات متميزة وتكاملية بين البلدين في كافة المجالات، لافتاً إلى أن رئيسي البلدين أكدا على أزلية العلاقات التاريخية بين البلدين، مشيراً إلى أن العلاقات الحالية ليست على مستوى الطموحات في كافة المجالات. ترفيع العلاقات لعل تشكيلة الوفد المرافق للرئيس البشير تعكس أهمية الملفات التي يمكن تداولها وأولويات البلدين في العلاقات الثنائية والإقليمية والدولية. وقد ضم الوفد كلاً من وزير رئاسة الجمهورية صلاح ونسي، ووزير الخارجية علي كرتي، ووزير الاستثمار د.مصطفى عثمان، ووزير العمل والإصلاح الإداري إشراقة سيد محمود، ووزير الدولة للدفاع الفريق يحيى محمد خير، ومدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني الفريق محمد عطا المولى، وقد انضم إلى الوفد وزير الكهرباء والموارد المائية معتز موسى الموجود بالقاهرة حالياً في مفاوضات سد النهضة الإثيوبي. ومن خلال تشكيلة الوفد يتضح أن القضايا الأمنية والعسكرية حاضرة، بجانب قضايا الاستثمار والتجارة والحدود، ويعتبر إعلان الرئيسيْن أمس عن قرار ترفيع اللجنة العليا للعلاقات الثنائية إلى لجنة رئاسية يقودها رئيسا البلدين؛ أحد أبرز المؤشرات المهمة في علاقات البلدين، الأمر الذي من المتوقع أن يدفع العلاقات إلى مستوى أفضل، وينعكس بشكل إيجابي على الشعبين والبلدين. وقد أشار عبد المحمود إلى أن لجنة التعاون المشترك ستجتمع على مستوى الرئيسيْن بدلاً عن مستويات رئيس الوزراء من جانب مصر والنائب الأول للرئيس من الجانب السوداني، وأضاف: "تقرر ترفيع اللجنة إلى رئاسية، ووجه الرئيسان بالعمل فوراً دون إبطاء وبحث الملفات العالقة وبحث السبل المفضية إلى تطوير العلاقات وتعزيزها"، مبيناً أنه تم عقد اجتماع للهياكل برئاسة وزراء خارجية البلدين بحضور الوزراء المعنيين توطئة لدراسة الهياكل ودراسة العمل المشترك، فضلاً عن الإعداد لاجتماعات اللجنة العليا، وتعد هذه الخطوة أبرز تطور خلال زيارة البشير أمس إلى القاهرة. قضايا إقليمية لا زالت تداعيات الربيع العربي تؤثر في ليبيا وسوريا، في وقت برزت فيه قضايا أخرى إلى واجهة الأحداث، لا سيما تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، بجانب قضايا أخرى تحيط بالمنطقة العربية والأفريقية، وكان ذلك أحد الأجندة التي بحثها الرئيسان في لقائهما؛ فقد أشار عبد الحليم في حديثه إلى أن المباحثات ركزت أيضاً على الأوضاع الإقليمية في ليبيا وسوريا والمنطقة العربية والأفريقية، موضحاً تطابق رؤى البلدين فيما يتعلق بالأوضاع في ليبيا، والتأكيد على ضرورة إطلاق عملية سياسية متكاملة، تنبذ العنف وتحقق التوافق الوطني وتعود بالاستقرار إلى ليبيا، بجانب إمكانية إيجاد حل سلمي للصراع في سوريا، غير أن الخطوة الأكبر تأتي في حديث عبد الحليم عن اهتمام الطرفين بما يجري في المنطقة العربية، وضرورة التنسيق والعمل المتكامل بين الأطراف العربية لتجاوز المعضلات الراهنة. على الهامش التقى البشير مساء أمس، بمقر إقامته بقصر القبة، بعدد من الشخصيات والرموز المصرية، في مقدمتها رئيس الوزراء الأسبق د.كمال الجنزوري، ورئيس الوزراء الأسبق د.عصام شرف، والأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى، ورئيس حزب الوفد السيد البدوي، ورئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان محمد فائق. ومن المتوقع أن يلتقي اليوم بالمستثمرين ورجال الأعمال المصريين، وسيعقد لقاء قمة مجدداً بين الرئيسيْن بحضور وزيري خارجية البلدين، لدراسة مخرجات الزيارة وتوصياتها وتقديم البيان الختامي للرأي العام. ومن المتوقع أن تشهد لقاءات البشير اليوم في ختام زيارته مناقشات للاتفاقيات التي يمكن توقع في المجال الاقتصادي بجانب تفعيل الاتفاقيات السابقة.