:: رغم أن السادة بالحزب الحاكم - والدكتور نافع علي نافع أبرزهم - أكدوا أن الانتخابات في موعدها؛ إلا أن الدكتور حسن عبد الله الترابي، الأمين العام للمؤتمر الشعبي، يصرِّح بأن هناك اتجاهاً لتأجيل الانتخابات لمدة عام.. والمؤتمر الشعبي - منذ إعلان الوثبة ويوم خطابها - لم يعد هو ذاك الحزب المعارض بتطرف، ولا زعيمه الترابي هو ذاك الزعيم المراقب والمتابع من على البُعد. فالترابي وأعضاء حزبه، هم الأقرب إلى الحزب الحاكم، بل كادوا أن يكونوا شركاء الحزب الحاكم في صناعة المرحلة القادمة. :: والمهم، أي تقارب الشعبي والوطني وتنافرهما شأن يُغنيهما، وما يُهم السودان وشعبه في الوقت الراهن، هو أن يمضي الحوار الوطني المعلن عنه مع قوى المعارضة والحركات المسلحة إلى نهايات تصنع السلام وتوفّر الحريات، ثم بعد ذلك تأتي الانتخابات في مناخ غير (هذا المناخ).. وغير تصريح الترابي هذا، هناك مؤشر آخر لتغليب فكرة الانتقالية على فكرة الانتخابات في موعدها، وهو التعديل المرتقب في الدستور، بحيث يحل تعيين الولاة محل انتخابهم.. ونعم إنّ انتخابات الولاة فرَّخت القبلية ورسّخت الجهوية، لأن زعماء الحزب الحاكم بالولايات لم يراهنوا على برامجهم وأفكارهم ومؤهلاتهم في الترشيح والانتخابات، ولكنهم ظلوا يراهنون على قبائلهم. :: وتعيين الولاة، غير أنه يبعد القبائل والعشائر عن دائرة الصراع السياسي، فهو أن يُمكِّن رئاسة الجمهورية من تشكيل حكومة برنامج انتقالية فترتها عام، بحيث ينشط خلالها الحوار الوطني.. والشاهد أن الحزب الحاكم، في الأشهر الفائتة، أوْلى اهتمامه للاستعداد للانتخابات ولم يتحمس في مشوار الحوار الوطني بذات خطى الاستعداد للانتخابات، بدليل أن هذا الحوار الوطني (لم يبدأ بعد)، أي لم تتم مناقشة القضايا الأساسية والاتفاق على حلولها وآلياتها وجداولها الزمنية.. والعام المقترح لتأجيل الانتخابات - حسب تصريح الترابي - قد لا يكفي للمناقشة والاتفاق ثم تنفيذ الاتفاق.. ولذلك، على الحزب الحاكم أن (يكسب الزمن) ويبدأ هذا الحوار، إن كان يريد للبلد سلاماً وللسياسة استقراراً. :: وتعليقاً على تصريح الدكتور نافع علي نافع، وهو التصريح الذي يُجبّه تصريح الدكتور الترابي، كتبت في زاوية الخميس بالنص أن الحركات المسلحة - وهي من يجب أن تكون الهدف الأساسي بهذا الحوار الوطني المرتجى - غير معترفة بكل ما يحدث حالياً، ترشيحاً للولاة كان أو للرئاسة أو انتخاباً لغيرهم في ظل هذا الوضع الراهن. وفي مناخ هكذا، ليس من الحكمة السياسية أن يتمسك المؤتمر الوطني بموعد الانتخابات وكأنه منزل من السماء، وما لم يكن المراد بهذا الموعد فرض سياسة (الأمر الواقع). :: إن الحوار الوطني الذي يؤدي إلى الحريات والسلام يجب أن يكون مقدّماً على الانتخابات، ولو بتأجيل الأخيرة هذه (عاماً أو أكثر)، بل إن دعت الضرورة فالحوار الوطني يجب أن يلغي الانتخابات.. فالغاية هي السلام والاستقرار السياسي، وما الانتخابات والحوارات إلا محض وسائل، وليس من الحكمة أن يعض الحزب الحاكم على إحدى الوسائل - الانتخابات - بالنواجذ بغض النظر إن كانت تحقق الغاية أم لا.. وعليه، فإن إصلاح الحاضر بحيث يكون مستقبلاً مستقراً بحاجة إلى (مرحلة انتقالية).. ويبدو أن الترابي عاد ليصنع معالم هذه المرحلة.