مصطفى عبد العزيز البطل (1) طالعت مؤخراً مادة صحفية غنية للكاتب الصحافي المقيم بواشنطن، الأستاذ صلاح شعيب، بعنوان (محمد علي صالح: صحافي عتيق بجلباب مجاهد). وقد أبرزت الصحيفة ضمن المساحة التي خصصتها للمادة صورة كبيرة، سبق أن نشرتها عدة وسائط إعلامية أمريكية، يظهر فيها الصحافي السوداني الأمريكي المعروف الأستاذ محمد علي محمد صالح مرتدياً اللباس الأوروبي الكامل وهو يقف أمام البيت الأبيض حاملاً لافتة كبيرة كتب عليها باللغة الإنجليزية وبخط عريض: (ما هو الإسلام؟)، ثم بخط أصغر عبارة أخرى تُقرأ: (هدفي هو تحسين سمعة الإسلام والمسلمين في أمريكا. سأبقى واقفاً في هذا المكان إلى أن أموت). وكان صالح قد اعتاد أن يذهب في يومي السبت والأحد من كل أسبوع ليرابط أمام البيت الأبيض في واشنطن رافعاً ذات اللافتة في وجه ساكن البيت وزواره والسائحين من حوله. كتب شعيب: (قرر الرجل أن يقود بهذه اللافتة ما سمّاه "الجهاد الصامت"، يعني الوقوف أمام البيت الأبيض كل يوم سبت وأحد إلى أن يتوفاه الله). البعض - بحسب شعيب - عدّ خطوته هذه ضرباً من المغامرة الذكية، حتى يعيد الأمريكيون النظر في جوهر الإسلام ومعانيه، بدلاً من وسمه بأنه دين الإرهاب. بينما وصفت فئة أخرى هذه الخطوة بأنها غير ذات جدوى، ما دام هذا الصحافي والكاتب المقتدر في اللغة الإنجليزية يستطيع أن يُقيم الحجة لصالح قضيته عبر الكتابة والنشر فيشرح ويوضح لساكني البيت الأبيض والشعب الأمريكي معنى الإسلام. من بين الفئة الثانية رئيس صالح السابق الأستاذ عبد الرحمن الراشد، مدير قناة العربية، والذي ترأس تحرير صحيفة (الشرق الأوسط) لعدة سنوات. ومعلوم أن صالح عمل لسنوات طويلة مديراً لمكتب تلك الصحيفة بالعاصمة الأمريكية، ويشغل حالياً وظيفة كبير محرريها بواشنطن. وقد سخر عبد الرحمن الراشد في عموده اليومي في (الشرق الأوسط) من خطوة صالح تلك سخريةً مريرةً، وشكك في جدواها، وإن كان قد أمّن على احترامه الكبير له على المستويين الشخصي والمهني. (2) الخطوة غير المسبوقة وجدت تغطية إعلامية مقدرة في الوسائط الأمريكية والعربية في أول أمرها. بيد أنني حسبت بعد ذلك أن "صالح" أصابه التعب وأدركه النَصَب، فأقلع عن عادة الذهاب إلى البيت الأبيض كل سبت وأحد لممارسة طقوس الغيرة على الإسلام، والاحتجاج على سوء الفهم والإساءات المفترضة ضده. ولكن مادة الصحافي صلاح شعيب أكدت لي أن الحقيقة هي غير ما حسبت، وأن الرجل جادٌ جداً في قوله بأنه سيثابر على المرابطة أمام البيت الأبيض والتعبير عن موقفه "حتى يتوفاه الله"، كما جاء في إفادته المكتوبة. وكنت، ومنذ أن شرع الأستاذ محمد علي صالح في ممارسة شعائره الأسبوعية أمام البيت الأبيض، وتناقلت أنباءها الوسائط الأمريكية والعربية، قد بدأت مسيرةً تأملية حول واقع العلاقات الأمريكية الإسلامية ومآلاتها. هل صحيح أن الإسلام في أمريكا مستهدف وأن هناك مؤامرات خفية تريد به شراً؟ هل هناك سوء فهم مستطرد ومستدام يشترك فيه مسلمو الدنيا الجديدة فيظهرهم للعيان بغير مخبرهم، ويبرزهم، وهم الأحمال الوديعة، في صورة الجوارح الكاسرة؟ هل هناك في الولاياتالمتحدة توجّه منتظم ومثابِر يتخذ شكل الظاهرة يترصّد المسلمين ويتقصّدهم ويتربص بهم؟! الإيجاب بالقطع هو الإجابة عند الصحافي المخضرم صاحب لافتة البيت الأبيض، وإلا لما شرع في تنفيذ مشروعه الاحتجاجي ذي الأبعاد الدرامية. ودوره كمسلم - كما يراه - هو أن يحرك ساكنه ذوداً عن بيضة الدين، وحميةً للإسلام وأهله فيرابط، حتى يأتيه اليقين، أمام المبنى رقم 1600 بشارع بنسيلفانيا بواشنطن كلما هلّت عطلة نهاية الأسبوع. ولكن الإجابة عندي تختلف اختلافاً بيّناً، إذ لم أجد نفسي على ذات الضفة مع الصحافي المخضرم. (3) الولاياتالمتحدة دولة مدنية علمانية، والتفرقة بين الدين والدولة ركيزة أساسية من ركائز الفلسفة الكلية التي يستقيم على قاعدتها ويتأطر حولها المجتمع الأمريكي. وبإمكانك أن تعيش في الولاياتالمتحدة خمسين عاماً فلا تسمع كلمة (دين) ولا مرة واحدة. ووثيقة الدستور الأمريكي لا تحتوي على أي ذكر لكلمة (الله) أو (المسيحية). وقد وردت الإشارة إلى كلمة (دين) في الدستور فقط للتأكيد على عدم التمييز بين المواطنين على أساس العقيدة. ويحظر الدستور الأمريكي على الكونغرس تشريع أي قانون على أساس ديني. والفقرة السادسة من الدستور تنص على تجريم إجراء اختبار ديني لأي شخص يرغب في شغل وظيفة حكومية. كما يمنع القانون تدريس الدين للأطفال في المدارس الحكومية. وتمنع القوانين الوحدات الحكومية منعاً تاماً من تخصيص أي اعتمادات مالية فيدرالية لدعم أي منظمة ذات طبيعة أو توجه ديني، بما فيها المنظمات التي تعمل في مجال العون الإنساني. الغالب على شعوب هذا الركن من أركان المعمورة أنهم لا يعرفون شيئاً عن الإسلام ولا يكترثون له. وهم في ذات الوقت لا يعرفون شيئاً عن الأديان الأخرى، غير الإسلام، ولا يهتمون بها. وربما بالكاد عرفت قطاعات محدودة منهم شيئاً عن المسيحية بحكم أنها ديانة الآباء والأجداد. وقد كنت أعجب دائماً عندما أستمع إلى بعض الإخوة العرب، المتحدثين باسم الإسلام في برامج الراديو والتلفاز والمحاضرات العامة وهم يرددون المقولة الغبية: (المواطن الأمريكي لا يفهم الإسلام ولا يهتم بأن يعرف عنه شيئاً، وتلك هي المشكلة)! هم أحرار يا أخي، يهتمون بما يهتمون ويهملون ما يهملون! ومثل هذه المقولات تفترض لزوماً أن أبناء المسلمين في الدول الإسلامية يدرسون ويفهمون الأديان الأخرى، وليس ذلك صحيحاً بطبيعة الحال. كاتب هذه الكلمات يصنف، وفقاً لمعايير موضوعية، بأنه ذو تعليم عالٍ، ومع ذلك فقد عشت في السودان غالب سني حياتي ولم يعرّفني فرد، ولم تطلعني مؤسسة تعليمية على ألف باء المسيحية، بالرغم من أنها ديانة قطاعات مقدرة من شعب السودان. ما الذي يحمل هؤلاء إذن على الاعتقاد بأنه يتعين على غير المسلمين من شعوب الولاياتالمتحدة أن يدرسوا الإسلام وأن يهتموا بمعرفته وفهمه، فإن لم يفعلوا كانوا مقصرين ومرتكسين وناقصي عقل، ويصبح الأمر بالتالي معضلة تثار على الملأ في شكل أسئلة استنكارية؟ (4) حديثنا هنا ينصبُّ بطبيعة الحال على دعاوى الجهل الأمريكي بالإسلام، التي تناثرت وجرى التعويل عليها في مقام تحليل العوامل المحيطة بردود فعل الأوساط الرسمية والشعبية الأمريكية تجاه ظواهر الإسلام السياسي المتطرف المقترن بعمليات العنف المسلح والتفجيرات، التي تفاحشت داخل الأراضي الأمريكية خلال العقدين الماضيين. ولكننا بالقطع لا نجهل مشروعات الدعوة الإسلامية المنظمة التي حمل لواءها كثير من العرب - وغير العرب - من المسلمين، وكان من مؤداها تحول كثير من الأمريكيين إلى الدين الإسلامي طوعاً عبر مسارات التربية الدعوية السلمية. وقد بلغ السودان والسودانيون شأواً كبيراً في هذا المضمار (من أبرز الدعاة التاريخيين الذين وطّأت لهم الولاياتالمتحدة أكنافها وحصدت مجهوداتهم الدعوية جوائزها الباهرة، عدد من الشخصيات السودانية في طليعتها الشيخ الأشهر ساتي ماجد سوار الدهب، المولود في العام 1881م بقرية الغدار بالولاية الشمالية، والذي أسس جمعيات التبشير بالإسلام في إنجلترا في مطالع القرن العشرين، ثم انتقل إلى الولاياتالمتحدة وعاش فيها خلال الفترة 1904 إلى 1929 متفرغاً للدعوة الإسلامية، واشتهر بلقب (شيخ الإسلام في أمريكا الشمالية). وتبعه في هذا الطريق في مراحل لاحقة آخرون منهم الداعية السوداني الشيخ أحمد حسون الذي جعل منه القائد الإسلامي الأمريكي مالكوم إكس (1925-1965) واحداً من أقرب مستشاريه. ومنهم الدكتور أحمد صديق عثمان وغيره ممّن تتسع قائمتهم وتطول). ولكن ذلك ليس هو جوهر حديثنا وغايته. القضية الأولى بالطرح هنا - كما سبقت الإشارة - هي: هل هناك بالفعل حملة مضادة للإسلام في الولاياتالمتحدة؟ وما هي دوافعها ومنطلقاتها؟ وما هي أهدافها؟ في الدنيا الجديدة حركات عنصرية متطرفة تضم في عضويتها جماعات من الموتورين تكره اليهود وأهل الأديان الأخرى، ومنها الإسلام؛ فضلاً عن ذوي البشرات الملونة من أفارقة وآسيويين وغيرهم. ولا أعتقد أن أهل الغيرة المستحدثة على الإسلام يعنون هذه الجماعات، لسبب بسيط هو أن هذه الجماعات وجدت وظلت تمارس أنشطتها في هذه البلاد منذ تأسيسها في النصف الثاني من القرن العشرين، قبل أن يكون على ظهرها إسلام ومسلمون. وهي على أية حال جماعات رمزية لا وزن لها ولا قيمة، ولا تمارس وجوداً فعلياً في مجرى الحياة العامة. لكننا نعلم بطبيعة الحال أن مدار الأمر وجوهره هو ردة فعل بعض الدوائر الأمريكية تجاه ظواهر الإسلام السياسي المتطرف التي ظلت تقض مضاجع الأمريكيين خلال ربع القرن الماضي. هل سمع أحد عن استهداف للإسلام والمسلمين قبل أن تسكن بذرة الجماعات الإسلامية المتعصبة في تربة نيوجيرسي وكونيكتيكت ونيويورك وفيرجينيا وفلوريدا وغيرها؟ لا أظن! (5) ما يسمى بظاهرة الخوف من المسلمين أو (الإسلاموفوبيا)، وما استتبعتها من إشارات وإفرازات وتداعيات سالبة في حياة المسلمين داخل الولاياتالمتحدة، لم تكن بالقطع نباتاً أمريكياً عشوائياً؛ وإنما هي ثمرة ناضجة من ثمار جهد دؤوب ومتصل للجماعات الإسلامية المتطرفة داخل الولاياتالمتحدة وخارجها. عندما تشع التحديات الأمنية من بجدة مجموعة عرقية أو دينية بعينها، في أي بلد من بلدان العالم، يكون طبيعياً أن تُصوب الأنظار باتجاه هذه المجموعة. وعندما يكون جميع المدانين والمتهمين والمشتبهين في حوادث ومؤامرات تفجير المباني وزرع المتفجرات في أنفاق القطارات ومحطات البصات وملاعب كرة القدم هم من المسلمين، فإن المنطق البسيط يجعل من الأجهزة الأمنية والرقابية والمواطن العادي قبل ذلك يتوجسون خيفة من أبناء هذه الملة دون غيرها. لا غرو إذن، أن أعْيُنَ مفتشي حراسة المطارات تنفتح على اتساعها عندما يكون الراكب المتجه إلى الطائرة مسلماً فيدقّقون ويحققّون؛ أما إذا كان الراكب مكسيكياً أو هندياً أحمرَ أو قوقازياً أبيضَ تراخت أجفانهم وهدأت أنفاسهم وخفت حركة أيديهم. وهو نفسه ما يجعل المنظمات الحقوقية تشكو من التمييز ضد الأمريكيين من أصول شرق أوسطية وشمال أفريقية وباكستانية. وهي شكوى في محلها. تماماً مثلما أن شكوك حراس المطارات وتوجساتهم الأمنية هي أيضاً في محلها! هل تستغل إسرائيل ولوبياتها الأمريكية هذا الواقع وتوظفه لصالحها؟ نعم. هل تجند عناصرها ونشطاءها في الأجهزة التشريعية والتنفيذية والصحافة والإعلام والسينما والحياة العامة إجمالاً للكيد للعرب والمسلمين؟ بالتأكيد! ولكن من المهم جداً أن نحرص على التوصيف الصحيح للظاهرة فلا نتجاوزه، ومقتضى التوصيف الصحيح هو أن إسرائيل ولوبياتها تستغل الواقع فقط، ولكنها لم تصنعه. الذي صنعه هو الجماعات الإرهابية الإسلامية، والمتعاطفون معها من العرب والمسلمين. مِنْ هؤلاء مَنْ فروا من حياة الذل والفاقة والمسغبة، فهاجروا بعيونهم الغائرة وبطونهم الطاوية إلى الغرب الأمريكي، حيث الأرز واللحم والخبز واللبن؛ فإذا قيل للواحد منهم إن مسلمين هاجموا مبنى التجارة الدولي بالطائرات وقتلوا أربعة آلاف مدني تجشّأ وتمطى ثم هتف: الله أكبر! من في تمام عقله وسلامة وجدانه يلوم أهل الولاياتالمتحدة إن هم توجسوا خيفة من المسلمين، وهم يرون في شاشات التلفاز، كلما طالعوها في صباحاتهم وآنسوا إليها في مساءاتهم، صور وأخبار المسلمين الضالعين في قضايا القتل والإرهاب والتفجير؟! (6) قبل فترة كشفت السلطات الأمنية في مدينة نيويورك النقاب عن عربة محمَّلة بشحنات هائلة من المتفجرات، تم تجهيزها بعدّاد خاص يهيِّئها للتفجير الذاتي في ساعة الذروة. وقد تم وضع العربة في أشهر أماكن التجمعات البشرية في قلب نيويورك وهو تايمز إسكوير. وقد شاءت أقدار الله ألا تنفجر السيارة وأن تتمكن الجهات الأمنية من تفكيك القنبلة. وقد تم القبض على مدبر المحاولة، وهو الباكستاني المسلم الحاصل على الجنسية الأمريكية، فيصل شاهزاد، بعد أن استقلّ إحدى الطائرات وهو يحاول الهرب إلى دولة الإمارات العربية. وقد اعترف شاهزاد اعترافاً تفصيلياً، وفقاً لتصريحات مسؤولي وكالة التحقيقات الفيدرالية بجريمته النكراء، وتكشفت اعترافاته عن صلات له مع أحد التنظيمات الإسلامية. بعدها بفترة قصيرة والفرنجة في ذروة احتفالاتهم بأعياد الميلاد، نهض الفتى النيجيري المسلم المغوار عمر الفاروق عبد المطلب بمهمة انتحارية سعى من خلالها إلى تفجير طائرة مكتظة بالركاب تابعة لشركة نورث ويست وهي تستعد للهبوط في مطار ديترويت. وقد شاءت أقدار الله ألا تنفجر القنبلة، ولكنها أحدثت دوياً مسموعاً وحريقاً محدوداً. قبلها بأسابيع قليلة قام المسلم الأردني نضال حسن بفتح النار على عدد من الأمريكيين في كافيتريا قاعدة فورت هود بولاية تكساس فقتل أربعة عشر شخصاً وأصاب بجراح بليغة ما يربو على الأربعين! في الولاياتالمتحدة لا يمر شهر إلا وتطالعك الأخبار بأن فرداً أو مجموعة من المسلمين تم القبض عليهم بتهمة التآمر لتفجير مبنى أو نفق قطارات أو طائرات. والمسلسل يمتد عبر حقبة زمانية طويلة، كما أسلفنا، تصل إلى عقود من التفكير والتدبير الإسلامي الإرهابي داخل الولاياتالمتحدة. من ألمع الذين بذروا بذرة هذا النوع من النشاط التعصبي في الولاياتالمتحدة، بحسبانه جهاداً يحث عليه الإسلام، الشيخ المصري الضرير عمر عبد الرحمن. وكان الشيخ عمر قد أفتى مجموعة من الشباب المسلم، بضرورة الجهاد داخل الولاياتالمتحدة من خلال تفجير المباني والأنفاق والطائرات. وقد تم إلقاء القبض على أفراد المجموعة متلبسين وهم يقومون بإعداد المتفجرات وقد اعترفوا جميعاً بحضور محاميهم بأنهم كانوا يخططون لتدمير نفق لنكولن وبعض معالم نيويورك الأخرى. وهناك أعداد لا بأس بها من الشباب المسلم الذين يتم القبض عليهم في الولايات المختلفة، بصور شبه دورية، بتهمة الانتماء إلى تنظيمات تدبر للقيام بأعمال عنف ضد المرافق العامة في الولاياتالمتحدة. ففي مدينة سياتل، تم توقيف خلية ثبت أنها على علاقة وطيدة بتنظيم يتبع للإرهابي المقيم بلندن أبو حمزة المصري. وكان أفراد هذه الخلية قد شرعوا في شراء عقارات ومزارع في مناطق بعيدة بولاية اوريغون بغرض تخصيصها للتدريب العسكري. وقد احتلت شبكة أخرى من المتطرفين تطلق على نفسها اسم (جماعة الفقراء) في السنوات الأخيرة مباني في مناطق ريفية نائية في عدد من الولايات، مما لفت انتباه الشرطة المحلية في تلك المناطق. واتضح عند القبض على أفراد الجماعة أنهم يتبعون لتنظيم إسلامي موحّد أسسه رجل دين باكستاني متطرف اسمه مبارك علي جيلاني. وذلك فضلاً عن المحاولات التي تم ضبطها بوساطة وكالة التحقيقات الفيدرالية لنسف مطار اورلاندو بفلوريدا بوساطة مسلمين من أصول باكستانية. ونعلم أن العملية الأولى لتفجير جزء من برج التجارة الدولي في عام 1993 التي ترتب عليها مقتل عدد كبير من الموظفين ورجال الأعمال الأمريكيين. وما تلاها بعد ذلك من تفجير البرجين بكاملهما بوساطة عدد من الشباب المسلم، بتدبير من تنظيم القاعدة في العام 2001، والذي انتهى إلى مذبحة شنيعة راح ضحيتها ما بين ثلاثة آلاف إلى أربعة آلاف من الأبرياء، تظلان من المعالم البارزة في الذاكرة الجمعية الأمريكية التي تعيش وتنعى هم الإرهاب الإسلامي. والذاكرة الأمريكية تحفظ بذات القدر أسماء الأمريكيين من أصول عربية الذين قاموا بقتل الأمريكيين خارج الولاياتالمتحدة، وهم كثر، وفي طليعتهم ابن ولاية تكساس وديع الحاج، الذي كانت له اليد الطولى في تفجير السفارتين الأمريكيتين بدار السلام ونيروبي عام 1998، والتي قُتل فيها مائتان وأربعة وأربعون فرداً وجرح أكثر من خمسة آلاف. وعن جرائم القتل المنسوبة للمسلمين في عدد من الولاياتالأمريكية، والتي جرى فيها اغتيال عدد من الشباب من ذوي الأصول العربية، الذين التحقوا بوظائف مختلفة بالجيش الأمريكي، بناءً على فتاوى صدرت من علماء مسلمين في القاهرة والدوحة تجيز قتل هؤلاء، حدث ولا حرج! والذي يحير الأمريكيين ويزيدهم بلبالاً هو تغلغل الجماعات الإسلامية المتطرفة في النسيج الاجتماعي لعدد من المدن الأمريكية، ونجاحها في تجنيد أمريكيين بيض من أصول قوقازية ولاتينية، وآخرين من أصل أفريقي للعمل لصالح الأجندة الإرهابية والانخراط في تنظيماتها. ومن أشهر هؤلاء جون ووكر لند، ورودني هابتون، وخوزيه باديلا، وكيلفين رافيل هولت، وهيرام توروس، وكولين لاروز الشهيرة بفاطمة لاروز، والقائمة تطول. وقد حمل كل هؤلاء القنبلة والبندقية وقدموا أنفسهم قرباناً على مذبح التعصب الديني. (7) القضية إذن ليست قضية معرفة وجهل. ولب الأمر ليس هو أن الأمريكيين - شعباً وحكومة - لا يعرفون الإسلام ولا يفهمونه. وإجبار الأمريكيين على الاهتمام بالإسلام كدين ومعرفته وفهمه لا يعني زوال الأزمة. السواد الأعظم من الأمريكيين لا يعرفون شيئاً عن الديانة البوذية، ومع ذلك فإنك لا تجد في الولاياتالمتحدة نظرات عدائية ضد عشرات الملايين من الآسيويين من أهل البوذية. كما إن العلم بالإسلام، من قبل الآخرين، لا يمنع التعصب ضد معتنقيه على أية حال. بل إن من شأن ذلك العلم، إن تم التشجيع عليه بدون ولاية دعوية محكمة، أن يؤدي إلى كراهية الإسلام والتعصب ضده! وقد كاد مالكوم إكس بجلال قدره أن ينقلب على الإسلام ويرتد عنه في ساعة غضب، بعد أن أعطاه أحدهم ترجمة للقرآن، فوجد في متنه الآية (102) من سورة طه التي تقول عن المجرمين (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا)، فظن الأمريكي الأسود المستجد على الإسلام أن القرآن يحتقر اللون الأسود، إذ فهم من معنى الآية أنها تعني أن الكفار والمجرمين من أصحاب اللون الأبيض سيتحولون يوم القيامة إلى اللون الأسود. وإنّ القرآن يطرح عملية التحول من اللون الأصلى إلى اللون الأسود كنوع من العقاب والتشهير الذي يقع على هؤلاء! وعلى طول سني إقامتي التي امتدت لعقدين من الزمان في الولاياتالمتحدة، فإنني كثيراً ما التقيت ببعض الأمريكيين ممن حاولوا قراءة القرآن من خلال النسخ المترجمة، التي تتولى مهمة توزيعها بكرم حاتمي المكاتب الإسلامية التابعة للدول الخليجية والمنتشرة انتشاراً عشوائياً في المدن الأمريكية المختلفة. وقد جَبَهَني هؤلاء في أحيان كثيرة بأسئلة عجيبة عن ظلم الإسلام وقسوته وميله إلى العنف وغيرها من الأفكار التي يظنون أنهم توصلوا إليها عبر قراءتهم لتلك النسخ المترجمة، دون إرشاد دعوىي يُفصح ويشرح ويبيّن ويلقي الأضواء الكاشفة. (8) يا أستاذنا محمد علي صالح: اسمعنا نحدثك ضحىً: مسعاك المثابر لتنبيه الأمريكيين لضرورة التعرف على الإسلام كدين سماوي وعقيدة سمحاء على العين والرأس. ونسأل الله أن يكتب صنيعك هذا في كتاب أعمالك الصالحات، ويثيبك عنه أجزل المثوبة. ولكن ذلك المنهج في الفهم والتقدير إذا كانت غايته التصدي للأزمة الراهنة التي تواجه المسلمين في الولاياتالمتحدة، فيؤسفني أن أقول لك إنه منهج مُفارق ومعتل لا يتصل بأسباب الواقع ولا يتفاعل مع حقائقه. وكل ما أستطيع أن أقوله عن سؤالك المركزي (ما هو الإسلام؟) الذي تضعه على لافتتك التي ترفعها أمام البيت الأبيض هو أنه (أُوف بوينت). الأمريكيون لا يكرهون الإسلام، ولا يحقدون على المسلمين. وليست قضيتهم معرفة الإسلام أو عدم معرفته. الأمريكيون يحبون الدنيا وبهرجها ويعشقون الحياة وطيباتها، ويمقتون من يفسد عليهم بهجة أيامهم. الأمريكي يريد أن يموت على سريره، بكامل جسده، بعد أن يشارف على المائة. وهو يتهيّب أولئك الذين يجاهدون لإرساله إلى العالم الآخر، أشلاءً متناثرة، بينما هو في كامل عافيته وعنفوانه. الأمريكي لا يمقت المسلم. هو فقط يحاول أن يتخذ موقفاً، وأن يعبر عنه، ضد من يزرع المتفجرات في طائرته أو مكان عمله أو المبنى الذي يستقل منه القاطرة أو السيارة إلى حيث يشاء، لا فرق عنده أن يكون ذلك الإرهابي مسلماً أو مسيحياً أو يهودياً أو بوذياً أو لا دينياً. (9) يا أستاذنا وابن بلدنا وضريب عقيدتنا، محمد علي محمد صالح. لعلك تستهدي بالله وتسمع نصحنا: أقلع عن شعيرة الذهاب إلى البيت الأبيض في عطلة نهاية الأسبوع، وتخلَّ عن طقس رفع اللافتة الشهيرة في وجوه أهل البيت وزواره، واتخذ بدلاً عن ذلك كله موقفاً صادعاً صادحاً ضد الإرهاب الديني الأعمى الذي ملأ حياتنا همّاً وغمَّاً، وأحال حياة الشعوب من حولنا إلى بؤسٍ مقيم. مثلك من الصحافيين المخضرمين، من أهل العطاء المذكور والبلاء الحسن، أجدر بأن يرفدوا شعوبهم - في دروب الوعي - بالحرف الساطع والكلمة الوضيئة التي تنفذ إلى قلب الحقيقة فتخترقها. أشعل شمعة ضد فكر التطرف، الذي قادنا وقاد مسلمي أمريكا إلى أتون هذه الأزمة الفاجرة، وستجدنا إن شاء الله معك وعلى يمينك، في الصف الأول. هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته