من خلال ميزانية الحكومة الاتحادية يتم دعم استهلاك القمح والوقود والكهرباء. أي أن الحكومة تقدم هذه السلع للمستهلكين بأقل من تكلفة انتاجها. طبعاً الفلسفة وراء ذلك واضحة وهي تخفيف عبء المعيشة على المواطن. لأن نسبة كبيرة من السكان فقراء ولا يستطيعون دفع التكلفة الحقيقية لهذه السلع. فتقوم الحكومة بالدفع نيابة عنهم. اتجهت غالبية دول العالم لدفع مبالغ نقدية مباشرة للمواطن الفقير بدلاً عن دعم الاستهلاك أو تقديم السلع بغير قيمتها الحقيقية. لأنه وجد في كل الأحوال أن الأكثر شراءً هم الأغنياء، وهذه بديهية اقتصادية، وبالتالي فإن السلع المدعومة يذهب جلها للأغنياء. وهذا في حد ذاته سلوك ضد الفقراء. لأن المبالغ المالية التي دُعم بها استهلاك هؤلاء الأغنياء كان يمكن أن تذهب في شكل دعم مباشر للفقراء. أو في توسيع وترقية الخدمات الأساسية المقدمة لهم في التعليم والصحة ومياه الشرب. إن دعم المواطن دعماً مباشراً يحقق عدد أهداف: أولها وصول الدعم لمن يستحقه فعلاً، وثانيها منع تشويه التكاليف الحقيقية للسلع والخدمات وبالتالي يمكن قياس كفاءة الوحدات التي تقدم هذه السلع والخدمات بطريقة صحيحة ومنطقية، وثالثها تخفيف الضغوط على العملة السودانية اذا ما كانت السلع المدعومة تستورد من الخارج. قد يكون من الصعب في الوقت الحالي استبدال كل الدعم من دعم استهلاك لدعم مستهلك، لأن رفع الدعم كلياً عن الوقود والكهرباء سيترتب عليه ارتفاع تكلفة الانتاج لغالب السلع والخدمات. وبالتالي لن يستفيد المواطن من أي دعم مباشر يقدم له. لهذا قد يكون من المناسب في هذه المرحلة إعادة توجيه الدعم بدلاً عن رفعه كلياً. إعادة توجيه الدعم تعني مراجعة الطريقة التي يتم بها الدعم في الوقت الحالي. إذا أخذنا سلعة الخبز كمثال نجد أن الحكومة تقوم بدعم مستوردي القمح حيث تسلمهم دولارات محسوبة بسعر 2.7 جنيه مقابل الدولار في حين سعر الدولار الرسمي 5.7 جنيهات للدولار وسعره في السوق الحر 8.6 جنيهات للدولار. وغرض الحكومة من هذا الفعل أن يكون سعر جوال الدقيق المسلم للمخابز في حدود 116 جنيه للجوال وبالتالي تستطيع المخابز انتاج قطعة خبز زنة 60 جراماً بسعر لا يتجاوز ربع جنيه. ولكن يلاحظ في هذه الطريقة أنه لا يوجد ضمان مطلقاً لاستخدام الدقيق المدعوم لانتاج الخبز فقط. فكلنا نشاهد الآن أن هذا الدقيق تنتج منه الخبائز، والمعجنات، والشعيرية، والمكرونة، وغيرها من المنتجات التي لا ترغب الدولة في بيعها مدعومة. لأنها تستهلك بواسطة الأغنياء في الغالب. ومن ناحية ثانية نجد أن قطعة الخبز المدعومة متاحة للكل، السوداني والأجنبي، من يصرف بالجنيه ومن يصرف بالدولار، من يهمه الجنيه الواحد ومن لا يهمه المليون جنيه، وفي هذا انعدام للعدالة واضح وضوح الشمس. في الماضي كانت تستخدم البطاقة التموينية التقليدية في شكل كرت أو دفتر لتوزيع السلع المدعومة. الآن وبفضل انتشار تقانة المعلومات والاتصالات أصبحت هذه البطاقة الكترونية. في مصر وفي الأردن يوزع حالياً الخبز المدعوم بهذه الطريقة. اذا استخدمنا هذه الطريقة، وهي تعني ببساطة تحويل الدعم ليقدم من خلال المخبز وليس عبر بنك السودان للمستوردين، فإننا نصطاد عدة طيور بحجر واحد. نقلل تكلفة الاستيراد، نوفر موارد هائلة للميزانية العامة، نميز المواطن السوداني في بلده، والله الموفق. د/ عادل عبد العزيز الفكي هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته