ناهد بشير الطيب *إن في الصمت كلاما ..لكن لبعض الصمت صفة الاستسلام الخاضع المستميت ..لا سيما وأن ما نسميه مصطلحا بالمسكوت عنه قد استشرى واستوطنت حواجزه الصلدة المساحة بين النطق والحل. *مجتمعنا يذخر بالكثير وتضج أرجاؤه بما يدفع إلى بناء المزيد من أقبية الصمت، لكنا قد نصطدم بواقع الاشياء وقد توقظ فينا الصدمة غفوة الغفلة..أو صمت الكلام..الى الجهر بالمآسى إيذانا بابتدار الحلول. *ولن أبرح تلك المحطة التى توقفت عندها عبر عمودين سابقين ..الا وهى الاعتراف بما اعترى حاضر مجتمعنا ومناشطه من اختلاف جوهرى عن ماضيه وتلكم الفجوة الحادة والسحيقة بين ماضي وحاضر وآثارها السالبة ومردودها الحاد على تواصل الاجيال والمجايلة ويمضي بمجتمعنا الحال فيما يقرب من البحث عن الهوية حيث احتدام الصراع الخفي بين قديم وحديث ..وخبرة ودراسة ..وورق والكترون..وعصامية ومناهج ..وتدرج خطوات و تقافز أخرى ويين صخب وسكون بركة تنتظر رميها بحجارة من حراك. *وكنت قد تناولت حال الاغنية السودانية من منظور مجتمعي من حيث أن الفن هو وليد مجتمعه ووريث جيناته...والمجتمع هو تلاقح انشطة الانسان على كافة الصعد وجماع للتجربة الكلية لمناشط وسلوك الانسان ...وما نحدده من مآخذ على الاغنية اليوم وفى خطوطه العريضة هو بداية ..تحول شبابي عن جهة الحلقات المتصلة بمجايلات السابقين وفرضهم لخط مواز جعل الصراع المجتمعى والنفسانى بين شباب وكبار تفتقت عن ذلك ظاهرة الاغنية الشبابية رغم أن الفنون في مجملها لا يتحدد ابداعها وظيفيا بشهادات الميلاد..او المراحل السنية وليس للابداع حد لأنه من كنوز دواخل لا تشيخ...فالاغنية الشبابية التى حملت في بنويتها أداة الصراع تخيرت الايقاع اللاهث ..الراقص ..اللاهى دونما اهتمام بالمفردة الغنائية ..وتوجهت بكلياتها نحو الاقدام تطريبا. *ومن الجانب الآخر نسأل ..هل بخل الكبار على الشباب بمعرفتهم وخبراتهم والحانهم؟....معظم من قرأت لهم آراء ...او من سألتهم مباشرة عبر برنامجى" كيف حاله" الذى اقدمه العاشرة مساء كل أحد عبر أثير الاذاعة الطبية اف ام 99.3 من شعراء وملحنين ..كانوا متفقين على محور اجابة واحدة وهى أن الشباب لا يسمعون نصحا او توجيها وزاد على ذلك الموسيقار المبدع أنس العاقب في إجابة على سؤال صحيفة ..وقال ما معناه.( انه حاول يساعد مطربين شباب بالالحان لكن بعضهم كان بقوليه...سجلا في شريط وحنحفظا)، يقولون ذلك بدلا من الجلوس لموسيقار في قامة الاستاذ انس العاقب والاستفادة من علمه الغزير ونصائحه وتوجيهه من خلال البروفات للعمل الذى قدمه ..ولكن هاهم يستسهلون طريق الغناء ويعتبرون الغناء كالكوبى آند بيست ....شريط ومسجل وحفظ ..وبس. *وبمقاربات الحلول نجد أن قضية الصراع الخفى بين جيلين تكمن في وضع الاصبع على الجرح وقد بدا جليا أن الجرح هو هروب شباب الفن من سابقيهم والانسحاب من ملاعب التنافس المتصل بجيلين إلى الميدان الرديف واجتراح طرب الإقدام وابتداع طرائق الهبوط بهوى الانفس المتعجلة للشهرة واستبدال السلم الموسيقى بالمصعد الكهربائى الذى قد يتوقف في اى لحظة بين طابقين. *والسؤال الذى قد يفضى إلى بعض الحلول هو تهيئة الحوار بين هؤلاء الشباب وسابقيهم في المجال..نصغى اليهم ..وننشر بينهم ثقافة التواصل ...وتتم توعيتهم بفوائد الاستفادة من معين التجارب وتثقيف أنفسهم موسيقيا..وماذا ينتظر المجتمع منهم على مستوى ترقية الغناء واكتسابه الرصانة وعمق المضامين...والرسالة الفنية االصادقة التي يجب حملها ونشرها بين الناس. *لابد من وقفة إزاء ما يحدث حتى لا يتفاقم الأمر وتنفذ عبر عقارب الساعات عواقبه الوخيمة ..لا بد من بحث وتقص وتشخيص لحالة الغناء ...فماذا عسانا فاعلون؟ تحليق أرضى: (النهر لا يعلم أمواجه كيف تتقافز وتلهو أمام دائرة المجداف لكنه يتعلم منها مؤازرة الانسياب).