لكن على أقل تقدير خرج حاج ماجد من (القمقم) بعد أن تردد أنه حردان وماكث في مزرعته. ولعمري لقد أثبت الرجل تجردا عاليا في الدفاع عن النظام الذي جرده من منصبه الوزاري بينما حافظ على الجميع بالشولة والنقطة. صراحة كنت أتوقع أداء أفضل للأستاذ حاج ماجد سوار في مناظرته مع الأستاذ علي محمود حسنين، والغريب أن حسنين معروف بأنه شخصية (انفعالية) ولكن الانفعالي حقا في الحلقة كان هو حاج ماجد. لقد قاطع علي محمود حسنين أكثر من عشر مرات مما أعطى المشاهد إحساسا بأن حاج ماجد متوتر وحكومته متوترة وتضيق بالرأي الآخر. أيضا لم تضبط الكاميرا ولا ابتسامة واحدة على وجه حاج ماجد ولم يفتح الله عليه بطرفة أو سخرية وهي من الأمور المحبذة في المناظرات لأنها تظهر المناظر في موقف الواثق من نفسه. أيضا حاج ماجد بدأ (من قولة تيت!) بمعلومات أمنية ووثائق محلها القضاء أو ملف حسنين في جهاز الأمن وليس في يد مسئول حزبي في مستهل مناظرة رأي. وهذه الوثائق وإن كانت دامغة فإنها مثل السيف لا بد من إخراجه من غمده في الوقت المناسب وتحديد موضع الضربة. في مثل هذه المناظرات يجب قمع الخصم بالحجج السياسية المنطقية أولا ثم ربط الإشارة في التوقيت المناسب للقضية الجنائية التي أودعت علي محمود حسنين في سجن كوبر مع مبارك الفاضل وغيرهم ثم خرج منها بعد أن أقسم على مصحف أمام الرئيس أو مسئول كبير بأنه لم يتحرك إطلاقا لإسقاط النظام أو هذا على الأقل ما تردد في المجالس وسربته الصحف دون نفي من حسنين أو المجموعة المعتقلة معه. وضع الحريات في السودان وتفوقه النسبي شهد به حتى مقدم البرنامج د. فيصل القاسم وربما عرضه بطريقة أفضل من طريقة حاج ماجد التي بدأها جيدا ثم سيطرت عليه انفعالات وحرفته من المسار إلى هدف محدد وهو إسقاط مصداقية حسنين ونسف شخصيته وفوت حاج ماجد دقائق غالية ارتفعت فيها نسبة المشاهدة السودانية لملايين المشاهدين المتحفزين والمستوعبين لأي كلمة وقد كان من الأولى توظيفها لإبراز صورة الحريات بطريقة تختلف عن مبالغات المعارضة. قضية وثائق إثبات العمالة أنا شخصيا لا أصدق غضبات الحكومة المضرية فيها ولا يصدقها المواطن السوداني. هنالك من قصفوا السودان وأيدوا الضربات الجوية الأمريكية ثم دخلوا القصر وسارت أمامهم صافرات الشرطة وهنالك من خطط لتفجير العاصمة وهناك من طالب البشير بتسليم نفسه للجنائية وذهب هو نفسه متهما خاضعا للمحكمة ثم عاد وزيرا مؤتمنا على حياة الناس. موضوع (العمالة) للأسف صار موضوعا مستهلكا وأفقدته الصفقات السياسية قوته، أنا شخصيا عندما أجلس مع (السياسيين) أستعيذ بالله من سوء الخاتمة لأن ما يقومون به من (تقلبات) و (مؤامرات) يكفي لتمزيق قارة بأكملها وليس (السودان) الذي انشطر إلى شمال وجنوب بين مزايدات ميثاق أسمرا واتفاقية نيفاشا.