وثائق أمريكية عن أكتوبر والديمقراطية الثانية (14): فوز التقليديين، وتهميش اليساريين الأمة والاتحادي يكتسحان الانتخابات الشيوعيون يكتسحون انتخابات الخريجين تعديل الدستور ليكون الأزهري رئيسا دائما لمجلس السيادة "يظل السودان دولة إسلامية تقليدية، ويظل اليساريون أقلية، وبدون دعم شعبي" ------------------------ واشنطن: محمد علي صالح هذه هي الحلقة رقم 14 من هذا الجزء الاخير من هذه الوثائق الامريكية عن التطورات السياسية في السودان، وهي كالآتي: الديمقراطية الاولى (25 حلقة): رئيس الوزراء اسماعيل الازهري (1954-1956). الديمقراطية الاولى (22 حلقة): رئيس الوزراء عبد الله خليل (1956-1958). النظام العسكرى الاول (19 حلقة): الفريق ابراهيم عبود (1958-1964). النظام العسكري الثاني (38 حلقة): المشير جعفر نميري (1969-1975، آخر سنة كشفت وثائقها). هذه وثائق الديمقراطية الثانية، بداية بثورة اكتوبر (1964-1969). وستكون 20 حلقة تقريبا: --------------------------- 27-4-1965 مبارك زروق: "... توفي مبارك زروق، واحد من اشهر، واقدر، واميز، السياسيين السودانيين. كان الساعد الايمن لاسماعيل الازهري، رئيس الحزب الوطني الاتحادي، واول رئيس لوزراء السودان، بعد أن اكتسح هذا الحزب اول انتخابات حرة في تاريخ السودان، وتحول من دعوة الاتحاد مع مصر الى استقلال السودان. وكان اول وزير لخارجية السودان... درس زروق القانون في كلية غردون (الآن جامعة الخرطوم). وهو من عائلة عريقة في العاصمة السودانية. وتزوج من عائلة عريقة اخرى، هي عائلة الشنقيطي (بنت محمد صالح الشنقيطي، رئيس مجلس النواب). يمكن اعتبار زروق، هو، والازهري، ومحمد أحمد محجوب، ايضا محام، وايضا درس القانون في كلية غردون، من اخلص الوطنيين. وذلك لانهم لم يؤيدوا، ابدا، النظام العسكري الذي حكم السودان لست سنوات بقيادة الفريق ابراهيم عبود. وكان من بين القادة السياسيين الذين اعتقلهم عبود (في سجن ناقشوط، في جنوب السودان). هؤلاء هم المثقفون السودانيون الذين تعلموا تعليما بريطانيا. وتأثروا بالبريطانيين، ليس فقط ثقافيا، ولكن، ايضا، عقديا. وذلك لانهم آمنوا بان "ديمقراطية وستمنستر" (البريطانية) هي احسن ما ترك البريطانيون، ليس فقط في السودان، ولكن، ايضا، في مستعمرات اخرى، مثل الهند، حيث تظل تزدهر، وحيث لم يصبها مرض الانقلابات العسكرية الذي اصاب مستعمرات بريطانية سابقة... لهذا، يمكن القول إن زورق، ومحجوب، من مثقفي الامبراطورية البريطانية السابقين الذين لم تغُْرهم مناصب الانقلابات العسكرية، وحكومات الحزب الواحد، وشعارت الاشتراكية التي اجتاحت كثيرا من هذه المستعمرات السابقة... (تعليق: هنا، تمكن المقارنة بين محجوب وزروق في جانب، وبين محامين ومثقفين آخرين، وكانا، ايضا، من قادة الحركة الوطنية. لكنهما كانا في قيادة نظام عبود العسكري: أحمد خير، وزير الخارجية، وزيادة ارباب، وزير المعارف والعدل. بهذه المناسبة، هذه اعادة لوثيقة نشرت سابقا: ------------------------- وثائق امريكية عن عبود (11): 5-2-1959 من: السفير، الخرطوم الى: وزير الخارجية في مقابلة، قال لى أحمد خير، وزير الخارجية، إن الفريق عبود سيأمر قريبا بإعادة العمل بمواد الدستور الخاصة بالهيئة القضائية. وكان عبود اعلن، يوم الانقلاب، حل الدستور. وشمل ذلك الغاء الجهاز التشريعي (البرلمان)، ووضع الجهاز القضائي تحت سيطرة المجلس الاعلى للقوات المسلحة. واذا فعل عبود ما قال خير، سيعيد للجهاز القضائي سلطته القانونية... واتفقنا على أن عبود الغى مجلس السيادة، الذي كان رأس الدولة، ووضع المجلس الاعلى للقوات مكانه وقلت انا: لكن، لا يوجد اساس قانوني لالغاء مجلس السيادة وقال خير: توجد القانونية في قانون دفاع السودان الذي وضع سنة 1939. واعتمد عبود على هذا القانون لاعلان حالة الطوارئ. ويمكن استمرار العمل بالقانون الجنائئ، على شرط أن لا يتعارض مع قانون سنة 1939 وقلت انا: لكن، بعد الانقلاب، اعلن المجلس الاعلى للقوات المسلحة قانون دفاع السودان لسنة 1958. وفيه أن اتهامات معينة تحت القانون الجنائي ستحاكم امام محاكم عسكرية. ومن هذه الاتهامات: معاداة الدولة، الخيانة العظمى، معاداة القوات المسلحة، تعكير الهدوء العام... لم ينف خير ذلك. لكنه كرر بأن عبود سيأمر باعادة الاستقلالية للهيئة القضائية... مبارك زروق: في وقت لاحق، قال لنا مبارك زروق، زعيم المعارضة في عهد حكومة عبد الله خليل، وقبلها وزير الخارجية في حكومة اسماعيل الازهري، والآن من كبار المحامين السودانيين، أن المحامين يخشون أن عبود، بدلا عن اعادة القانونية الدستورية للهيئة القضائية، سيحولها الى وزارة العدل. وان كل الكلام عن اعادة القانونية ليس الا ذرا للرماد على العيون... وقال زروق إن زيادة ارباب، وزير المعارف والعدل، يريد السيطرة على الهيئة القضائية. وان هذا ليس سرا للذين يعرفون ارباب. وان ارباب كان ايضا وزيرا للمعارف والعدل في حكومة عبد الله خليل. وان ارباب يعتقد انه احسن من يعرف القانون في السودان. وبالتالي، "يريد أن يسيطر على كل القوانين." وسالت زروق اذا يعتقد أن ارباب عنده بديل احسن من التقاليد الانجلوساكسونية الموجودة في القوانين السودانية، تندر زروق، وقال إن ارباب كان آخر طالب في دفعته في كلية القانون. ولهذا، "يحسد الذين يعرفون القانون احسن منه." في خطاب آخر، يوم 13-2، كتب السفير الامريكي انه حضر حفل العشاء السنوي في نادي الروتاري في الخرطوم. وكان هناك أحمد خير، ومبارك زروق، ومحمد أحمد محجوب. وان محجوب وقف، وانتقد علنا أحمد خير (لتعاونه مع نظام عبود العسكري). لكن، رفض أحمد خير الدفاع عن نفسه. وقال انه سيرسل خطابا خاصا الى محجوب، يرد فيه عليه... (لم يرسله. والنقطة هنا هي مقارنة بين محامين ومثقفين تعاونا مع حكومة عسكرية، هما: أحمد خير وزيادة ارباب، ومحاميين ومثقفين رفضا التعاون معها، هما: محمد أحمد محجوب ومبارك زروق). ------------------------- 29-4-1965 ننائج الانتخابات: "... قسمت لجنة الانتخابات السودان إلى 218 دائرة انتخابية. منها، 158 دائرة في المديريات الشمالية، و60 دائرة في المديريات الجنوبية. ولاول مرة: اولا: تمتعت المرأة بحق الانتخاب. بسبب التغييرات الاجتماعية والسياسية، وبسبب دور المرأة في ثورة اكتوبر. ثانيا: انخفض سن التصويت من 21 عاما الى 18 عاما. ثالثا: صارت لخريجي الجامعات مقاعد اضافية. او زاد عدد مقاعدهم. وذلك لانه في انتخابات عام 1953، كانت لهم خمسة مقاعد (على الطريقة البريطانية في ذلك الوقت). وفي انتخابات عام 1958، لم تكن لهم مقاعد. وفي هذه المرة، صار لهم خمسة عشرة مقعدا. رابعا: تنافست احزاب جنوبية جديدة، مثل حزب سانو (الاتحاد السوداني الافريق الوطني). خامسا: تنافست احزاب اقليمية، مثل مؤتمر البجا (شرق السودان)، والحزب القومي (جبال النوبة). سادسا: تنافست احزاب عقدية، مثل الحزب الشيوعي، وجبهة الميثاق الاسلامي. سابعا: لم تشمل الانتخابات جزءا كبيرا من السودان: المديريات الجنوبية الثلاث. وذلك بسبب استمرار الحرب الاهلية هناك. كان السبب الرسمي هو "اسباب امنية"... (تعليق: في وقت لاحق، اجريت انتخابات هناك). ثامنا: لاول مرة، قاطع انتخابات ديمقراطية حزب رئيسي: حزب الشعب الديمقراطي، وقال إن عدم اجراء الانتخابات في الجنوب سيساعد على فصل الجنوب..." ----------------------- (مع وضع اعتبار لانتخابات الجنوب التكميلية، وانتخابات دوائر الخريجين التي اعلنت نتائجها في وقت لاحق، كانت نتائج الانتخابات كالآتي، حسب المقاعد (بين قوسين مقاعد الخريجين): -- حزب الامة: 92 (صفر خريجون). -- الحزب الوطني الاتحادي: 73 (اثنان خريجون). -- الحزب الشيوعي: 11 (كلها خريجون). -- مستقلون: 15 (صفر خريجون). -- سانو: 10 (صفر خريجون). -- مؤتمر البجا: 10 (صفر خريجون). -- اتحاد جبال النوبة: 10 (صفر خريجون). -- جبهة الميثاق الاسلامي: 5 (اثنان خريجون) -- حزب الاحرار الجنوبي: 2 (صفر خريجون). -- حزب الوحدة الجنوبي: 2 (صفر خريجون). ------------------------ دوائر الخريجين: حسن الترابي (اسلامي). صالح محمود اسماعيل (اتحادي). فاطمة أحمد ابراهيم (شيوعية). حسن الطاهر زروق (شيوعي). محجوب محمد صالح (يساري). جوزيف قرنق (شيوعي). الرشيد نايل (شيوعي). محمد ابراهيم نقد (شيوعي). محمد توفيق (اتحادي). عمر مصطفى المكي (شيوعي). عز الدين على عامر (شيوعي). الطاهر عبد الباسط (شيوعي). أحمد سليمان (شيوعي). محمد سليمان (شيوعي). محمد يوسف محمد (اسلامي). --------------------- "راينا: اولا: كما توقعنا، وارسلنا في خطابات سابقة، اعادت اول انتخابات ديمقراطية في السودان منذ سبع سنوات الاحزاب التقليدية الى الحكم. وصار واضحا أن شعبا مسلما ومحافظا، مثل الشعب السوداني، لن يتحول، بين يوم وليلة، وحتى بعد ثورة تقدمية، الى شعب ليبرالي، ناهيك عن شعب تقدمي. ثانيا: صار واضحا أن المثقفين السودانيين في مفترق طرق: يتعاونون مع الاحزاب التقليدية الاسلامية (تعتمد على طوائف دينية)، ويضمنون الفوز في الانتخابات، ويحاولون التأثير على القيادات الحزبية التقليدية من الداخل بالتركيز على الليبرالية. او يعلنون انهم علمانيون، وبالتالي يفقدون قواعد شعبية لا تؤيد فصل الدين عن الدولة. ثالثا: نتوقع الا تدوم دوائر الخريجين كثيرا. وذلك لان الاحزاب التقليدية تراها غير ديمقراطية، ولا تعتمد على مبدأ "رجل واحد، صوت واحد" وها هي ادخلت مجموعة كبيرة من الشيوعيين ما كانوا سيدخلون من الدوائر الاقليمية. حتى عبد الخالق محجوب، زعيم الشيوعيين، سقط في دائرة اقليمية... (تعليق: في أم درمان، في دائرة الازهري). --------------------- 11-6-1965 الجمعية التأسيسية: "... في اول جلسة للبرلمان (الجمعية التأسيسة لانها ستكتب الدستور)، رشح محمد أحمد محجوب مبارك شداد رئيسا للبرلمان، وثناه أحمد يوسف علقم. ورشح محجوب محمد صالح عقيل أحمد عقيل، وثناه محمد ابراهيم نقد. وفاز مرشح الاحزاب التقليدية على مرشح اليساريين. ثم رشح كمال الدين عباس (حزب الامة) قائمة مجلس السيادة المتفق عليها من جانب الاحزاب التقليدية، والتي فازت. وفيها: اسماعيل الازهري، وخضر حمد (الحزب الاتحادي)، وعبد الله الفاضل المهدي، وعبد الحليم محمد (حزب الامة). ولويجي ادوك (جنوبي). وكانت فاطمة أحمد ابراهيم (شيوعية) رشحت عابدين اسماعيل (يساري). ورشح عز الدين على عامر (شيوعي) حسن اليمني (ختمي). ورشح محمد ابراهيم نقد (شيوعي) عبد الله السيد (يساري). وسقطوا كلهم. وتعمد الشيوعيون الا يرشحوا واحدا منهم لمجلس السيادة... كيف يكون في مجلس السيادة في السودان شيوعي؟ وقاطع الاسلاميون الترشيحات. قالوا انها يجب أن تكون قومية، لا حزبية. لكنهم، مثل الشيوعيين، كانوا يعرفون استحالة أن يدخلوا، وهم اقلية صغيرة (خمسة مقاعد) في مجلس السيادة... صار واضحا أن الحزبين الرئيسيي، الامة والاتحادي، اتفقا على حكم السودان، وهما يتمتعان بأغلبية مريحة في البرلمان... لهذا، رشح ابراهيم المفتي (اتحادي) محمد أحمد محجوب (امة) رئيسا للوزراء. ورشح محمد ابرهيم نقد (شيوعي) حسن الطاهر زروق (شيوعي). ورشح حسن الترابي (اسلامي) الرشيد الطاهر بكر (اسلامي). وطبعا، فاز المحجوب باغلبية كبيرة... (تعليق: في وقت لاحق، وافق نواب الحزبين الكبيرين، الامة والاتحادي على تعديل الدستور لتكون رئاسة الازهري لمجلس السيادة دائمة، بعد أن كانت الرئاسة دورية. كان ذلك شرط الاتحاديين الاول لوزارة ائتلافية، وهددوا بأن يقفوا في المعارضة). ------------------------ الوزارة الجديدة: حزب الامة: -- محمد أحمد محجوب: رئيس الوزراء ووزير الدفاع -- أحمد عبد الرحمن المهدي: الداخلية -- محمد ابراهيم خليل: الخارجية والعدل -- عبد الله عبد الرحمن نقد الله: الحكومات المحلية -- أحمد بخاري: الصحة -- عبد الحميد صالح: الرئاسة -- عبد الرحمن النور: الاعلام والعمل الحزب الاتحادي: -- محمد أحمد المرضي: التجارة والصناعة والتموين والتعاون -- عز الدين السيد: المواصلات -- ابراهيم المفتي: المالية والاقتصاد -- الشريف حسين الهندي: الري والطاقة الكهربائية المائية -- حسن عوض الله: التربية والتعليم -- عبد الماجد ابو حسبو: الاشغال والثروة المعدنية (تركت مقاعد الجنوبيي شاغرة لفترة من الزمن) ---------------------------- "رأينا: اولا: مقابل ضمان رئاسة مجلس السيادة للازهري بصورة دائمة، قدم الاتحاديون تنازلات كثيرة. وخاصة عدم حصولهم على وزارات مهمة مثل الدفاع، والخارجية، والداخلية. صار واضحا أن قادة الاتحاديين يريدون "مكافأة" الازهري، اب الاستقلال، وقد كبر في السن. ثانيا: حتى داخل الوزراء الاتحاديين، تغلب القدامى على الدماء الجديدة. ولم تدخل الوزارة اسماء جديدة، مثل: موسى المبارك. مبارك سنادة. أحمد دهب. محمد توفيق. محمد جبارة العوض. صالح محمود اسماعيل. ثالثا: هذه ليست فقط وزارة التقليديين، ولكن يسيطر عليها حزب الامة، حزب انصار المهدي الاسلامي. ومرة اخرى، يبدو السودان دولة اسلامية تقليدية، ويبقى التقدميون واليساريون اقلية لا تأثير لها، او، على الاقل، لا قاعدة شعبية لها... " ================== الاسبوع القادم: السفير الامريكي يقابل الصادق المهدي