ما بين الهوس وتخليص (حق العداد) الخرطوم: أحمد دندش في منتصف التسعينات وبتشييع رسمي يتقدمه وزير الداخلية آنذاك العميد الطيب محمد خير، ووري جثمان الفنان الكبير خوجلي عثمان، الذي غادر هذه البسيطة إثر اعتداء وحشي عليه بالسكين من قبل (معتوه)، حسب ما جاء في التقارير الرسمية. وتعود بداية القصة إلى دخول الجاني دار اتحاد الفنانين بأم درمان في تلك الأمسية، واستخدامه مدية بغرض قتل أحد أشهر مطربي السودان خوجلي عثمان، الذي فارق الحياة إثر إصابته بثلاث طعنات، كما أصيب خلال الحادث الفنان عبد القادر سالم وأحد أعضاء فرقة دار الاتحاد الموسيقية، قبل أن يتمكن الرواد من القبض على الجاني، الذي يدعى (آدم سليمان)، ولم تنشر أي معلومات إضافية عن هويته، إلا أن كل الدلائل تشير إلى أنه (مهووس). (1) تلك الحادثة الدموية دفعت بالكثير من المطربين لالتزام الحذر الشديد، كما ساهمت بالتالي في رفع الضوابط للدخول لحرم الاتحاد، خشية تكرار الحادث الأليم، أما الرأي العام فقد كان يبحث في تلك الأيام عن أي معلومات عن هوية القاتل، خصوصاً أن الشائعات سرت في ذلك الوقت مسرى النار في الهشيم وأخذت حادثة اغتيال خوجلي عثمان الكثير من الأبعاد المخيفة في ذلك الوقت، وجعلت كذلك جزئية الاعتداء على الفنانين تأخذ منحى آخر يتسم بالكثير من الخطورة، فالاعتداء على المطرب لا يدخل ضمن ثقافة الشعب السوداني المسالم، إلا في بعض الحالات النادرة التي يكون غالباً دافعها الاستفزاز الشخصي. (2) الفنان الكبير محمد وردي في ذلك الوقت أدان الحادثة ووصفها بأنها كارثة جديدة تحل على الفن السوداني، الذي لم تعرف الدماء طريقاً لمدائنه، كما عبر الكثير من المطربين عن حزنهم الشديد على تلك المأساة والرحيل الدامي لخوجلي عثمان الفنان المهذب والخلوق. وفي تصريح للفنان الشاب نادر خضر بمنتدى الزميلة الدار قبل اشهر، ذكر أن ابتعاده عن اتحاد الفنانين هو بسبب تلك الحادثة، والفوبيا التى اعترته حال سماعه الخبر، واضاف أنه فى قمة الحزن على تلك التفاصيل القديمة...ومن خلال تصريح نادر الاخير، يجب أن نكتشف أن تلك الفترة تحديداً شهدت حالة من الرعب والحذر لكل الفنانين بلا استثناء، خصوصاً الذين كانوا شهوداً على الحادث، حيث ظل الوجوم والدهشة والحيرة وكثير من الألم رفيقاً لهم مدة طويلة جداً. (3) لم تكن حادثة الفنان خوجلى عثمان هى الاخيرة، فقد انتشرت ثقافة الاعتداء على الفنانين داخل العاصمة وخارجها، ويروي لنا احد الفنانين الشباب عن حادثة اعتداء تعرض لها بإحدى الولايات، حيث طلب منه اهل المناسبة الغناء حتى الصباح، فى مطلب لا يتفق و(العداد) الذى منحه، ولعل هذا ما دفعه للرفض، وبالتالى التعرض لضرب مبرح هو وأفراد فرقته الموسيقية. وحادثة أخرى بمسرح احدى الجامعات العريقة، حيث تعرض الاشقاء أحمد وحسين الصادق، إلى هجوم منظم وخطير جداً من قبل بعض الطلاب الذين يبدو أنهم على خلاف قديم مع الاخوة المطربين، ولعل تلك الحادثة كادت أن تودي بحياة الاخوين اللذين أفلتا بأعجوبة من ذلك الاعتداء الوحشى جداً. (4) ويقول عبد العزيز حسن عازف على آلة الاورغ إنه يعتقد أن العازفين هم الاكثر تضرراً من الاعتداء على الفنان، فهم يتحملون كافة غلطاته من تأخير ونرجسية الخ..من المسببات الرئيسية للاعتداء، واضاف أنه تعرض لاعتداء أكثر من مرة بسبب فنان بعينه، مما جعله يدفع ثمن ذلك غالياً بخسارته آلته الموسيقية التى تكون أول ضحايا المعركة. (5) فى أسباب السلوك العنيف، الذي يبدو في صورة العنف البدني، والسلوك العدواني تجاه شخص آخر. يختلف العلماء فيما بينهم حول ما إذا كان العنف سلوكًا غريزيًا متأصلاً في النفس البشرية وموجودًا لدى جميع الأفراد أم لا. أما بالنسبة لسلوك الإنسان في عصور ما قبل التاريخ، فهناك أدلة أثرية تبين مدى تصارع العنف والسلم سمات أساسية لحياة الإنسان في هذه العصور ونظرًا لأنه يمكن إرجاع العنف إلى عامل الإدراك بالإضافة إلى كونه يعد ظاهرة يمكن تقييمها وتحديد مدى تأثيرها. (6) المقارنة ربما تعتبر معدومة تماماً بين الاعتداء على الفنانين فى السودان وبقية دول العالم، فالنسبة المئوية فى السودان اقل بكثير من تلك التى تسجلها حالات الاعتداء على المطربين بالخارج، وآخرها حالة الاعتداء على الفنان المصرى الشهير (تامر حسنى) بميدان التحرير، بعد اتهامه بالتواطؤ مع النظام المخلوع، إضافة للكثير من النماذج الاخرى، وهذا بالتأكيد مؤشر إيجابى ولكننا بحاجة للكثير من توعية الفنانين والجمهور بماهية دور الفنان تجاه جمهوره والعكس، وهذه من مهام الصحافة الفنية الاساسية.