تقرير: محمد حمدان هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته "مع السلامة وكتر الله خيركم وجزاكم الله خيراً، وبارك الله فيمن زار وخف"، بهذه الكلمات أسدل رئيس الجمهورية عمر البشير الستار على الجدل الدائر بشأن مغادرة البعثة من عدمها. سنوات قضتها البعثة في إقليم دارفور منذ 2007م وحتى اللحظة، لم يتوقف ثيرمومتر النقد بشأن مدى نجاح تجربة البعثة في مهمتها التي تتعلق بشكل أساسي بحماية المدنيِّين، فثمة قصور وضبابية خيمت على مسيرتها، وبعد أن أصبحت حديث الساعة، سعت (السوداني) للتنقيب عن الموقف الراهن وتوقعات سيناريوهات الخروج. قضيتان وراء العودة للأضواء قضيتان دفعتا بموضوع بعثة اليوناميد إلى صدارة الأحداث، على الأقل خلال الفترة القليلة الماضية: الأولى تتعلق بالاتهامات التي أثارتها المتحدثة السابقة باسم البعثة عائشة البصري عن وجود فساد، وفي ذات الوقت اتهامها لقيادات البعثة بالتستر على الجرائم والتقصير في حماية المدنيين؛ أما القضية الثانية تتعلق بما ورد من اتهامات اغتصاب بقرية "تابت" بشمال دارفور، وتقارير البعثة بشأن العملية. وتبعاً لذلك احتدم جدل عنيف بشأن البعثة وتفويضها. وفي ذات السياق، تعرضت البعثة لهجوم من جهات مختلفة حكومة ومعارضة وحركات مسلحة، فالحركات تتهم البعثة بالوقوف إلى جانب الحكومة بينما الأخيرة تتَّهمها بتقديم دعم للأولى، كما أن السلطة الإقليمية هي الأخرى تؤكد ضعف البعثة في القيام بمهامها، ولا زال حديث رئيس السلطة يسيطر على الأذهان إبان اختطاف وفد من النازحين القادمين من زالنجي إلى نيالا في حماية اليوناميد. تعود تفاصيل إنشاء البعثة إلى مجلس الأمن الدولي، الذي قرر بمقتضى الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة، وبموجب قراره 1769 المؤرخ ب31 يوليو 2007، أن يأذن لبعثة الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي في دارفور، بأن تتخذ جميع الإجراءات اللازمة في مناطق انتشار قواتها، حسبما تراه في حدود قدراتها، من أجل حماية أفرادها ومرافقها ومنشآتها ومعداتها، وكفالة أمن وحرية تنقل أفرادها والعاملين في المجال الإنساني التابعين لها، ودعم تنفيذ اتفاق سلام دارفور وحماية المدنيين دون المساس بمسؤولية حكومة السودان؛ ورصد تطبيق مختلف اتفاقات إيقاف إطلاق النار الموقعة منذ عام 2004 ومراقبة مدى التقيد بها، والتحقق من تنفيذها، ورصد الحالة الأمنية على حدود السودان مع تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى وتقديم تقارير عنها، والمساعدة في سيادة القانون في دارفور، وذلك بعدة وسائل من بينها تقديم الدعم لإقامة جهاز قضائي مستقل وتمتينه إضافة إلى دعم نظام السجون وتعزيزه، والمساعدة في إنشاء الإطار القانوني وترسيخه، بالتشاور مع السلطات السودانية المعنية. ++++++++++ سيناريوهات الخروج.. فرضية الأمن والاستفهامات الأخرى! ما يجري من وقائع وأحداث تتسارع كل يوم تمضي في اتجاه خروج البعثة من دارفور، ففي ظهيرة يوم أمس، التأم اجتماع بوزارة الخارجية ضمَّ كلاً من مسؤول مكتب متابعة سلام دارفور أمين حسن عمر، والإدارة العليا لبعثة اليوناميد، بشأن مستجدات الأوضاع والتطورات التي تحيط بالبعثة وإقليم دارفور. ووفقاً لمصدر عليم بالبعثة - فضَّل حجب اسمه - فإن أطراف الاجتماع انخرطت في النقاش بشكل هادئ، حيث قال ذات المصدر ل(السوداني) إن الإدارة اجتمعت مع أمين أمس بوزارة الخارجية، للتباحث في عدد من القضايا أمسك عن الإفصاح عنها. ويؤكد ذات المصدر أن البعثة قدمت خطة مغادرتها منذ سبتمبر 2014م، ويضيف مؤكداً أن خروج البعثة ليس مكان خلاف، وتم الاتفاق على خطة الخروج التي تقدمت بها، مشيراً في ذات الوقت إلى أن وفداً يتكون من خبراء أمميِّين قدم من نيويورك إلى دارفور لتقييم عمل البعثة وبحث إستراتيجية الخروج، ويمضي في ذات السياق قائلاً إن ترتيبات الخروج جعلت البعثة تعفي (260) موظفاً في الفترة الأخيرة لتضاؤل النشاط، وفي ذات الوقت تمهيداً للخروج التدريجي من دارفور. ويعتبر ذات المصدر أن سيناريوهات الخروج التدريجي باتت أرجح الاحتمالات، أي تخفيض عمل البعثة تدريجياً حتى تخلي طرفها من السودان، مشيراً إلى أن خطة البعثة تقضي بانتهاء أعمالها إلى أن يكون هناك مكتب صغير يدير الأعمال النهاية بحلول عام 2017م. فيما يعتبر مدير منظمة أفريقيا للعدالة حافظ إسماعيل أن الواقع الفعلي لعمل البعثة يؤكد أن عملها ليس بالشكل المطلوب، لكنه يعتبر أن لوجودها أثراً كبيراً، ويرسل رسائل اطمئنان إلى المدنيِّين، في وقت يعتبر فيه أن هشاشة متابعتها لإيقاف إطلاق النار بكل من اتفاقيتي أبوجا والدوحة يعود بشكل أساسي أولاً إلى ضعف الالتزام الأخلاقي للأطراف بما وقعوا عليه، وأن البعثة لا تستطيع إيقاف إطلاق النار إلا بموافقة الطرفين. ويلفت حافظ في حديثه ل(السوداني) إلى أن مترتبات خروج البعثة تترك فراغاً كبيراً على الأوضاع بدارفور وتشكل انتكاسة رغم ضعف أدائها، غير أن حافظ يستدرك قائلاً إن خروج اليوناميد يجب أن يكون مبنياً على افتراض تحسن الأوضاع الأمنية، وهذا تساؤل تحيط به العديد من الاستفهامات على الأرض. ++++++++++++++ جدلية الفشل والنجاح... "جابوه فزع بقى وجع"! لعل ما ورد على التو من دارفور أمس، عن اختطاف عربتين تتبعان لبعثة اليوناميد بدارفور بمنطقة نتيقة الواقعة بجنوب دارفور، وفقد اثنين من عناصرها في ذات الحادث أمس، قبيل أن تستعيد قوات الشرطة جنود البعثة؛ لعل ذلك يلخص فشل البعثة إلى حد كبير في أداء مهامها في حماية المدنيين؛ فهي لم تنجح في حماية عناصرها وقواتها بدارفور فكيف تفلح في حماية المدنيين، الأمر الذي يلخصه المثل الدارفوري: "جابوه فزع بقى وجع"، ولا زال السؤال الجوهري عن نجاح أو فشل البعثة يبحث عن إجابة، حيث تفيد تجربة السنوات الماضية بعدم المقدرة على فعل شيء، فهي فشلت في اجتياز امتحان الحماية لنفسها. ويُرجع مراقبون هشاشة البعثة إلى ضعف تفويضها وهشاشة جنودها. ويشير خبير يعمل في مجال المنظمات - فضل حجب اسمه - ل(السوداني) إلى أن المساحة التي تتحرك فيها البعثة لم تتجاوز الدبلوماسية الطبيعية، وما حققته البعثة يعتبر نجاحاً نسبياً، من حيث معدل الانتشار وجمع المعلومة وتحليلها، ويضيف: "كان يجب أن ينعكس ذلك لو كان العمل تحت البند السابع إلا أن تفويضها الممنوح أضعف قدرتها على الإنجاز"، لكنه يقول: "على الأرجح أنها فشلت في مهامها الأساسية في حماية المدنيين، وخلق وضع أمني نسبي يتيح مساحة تحرك، وبالتالي المهمة الأساسية لم تُحقَّق، ومن ناحية فنية وصل أكبر عدد من المتأثرين إلا أنها لم تستطع أن تحقق شيئاً لمحدودية تفويضها، وحياديتها لا زالت محل شكوك"، معتبراً أنها في الفترة الأخيرة أصبحت أشبه بالمنظمات الحكومية، وأفاد بأن العالم به 19 بعثة أممية، الموجودة في المنطقة الأفريقية عبارة 13 بعثة، الوحيدة التي تتشكل من هجين هي اليوناميد، لكنه توقع سيناريو تحويلها لبعثة أممية كاملة الدسم. ++++++++++++++++++ ماذا لو رفضت اليوناميد الخروج؟ يجري تجديد تفويض البعثة سنوياً من قبل مجلس الأمن الدولي، وقد مدد تفويض البعثة لعشرة أشهر أخرى تنتهي بنهاية يونيو من العام المقبل، بعد أن كان مقرراً أن ينتهي التفويض الجاري في نهاية أغسطس الماضي، بيْد أن البعثة التي تعد أضخم بعثة في تاريخ المنظمة الأممية بقوة قدرها 15845 جندياً و1583 شرطياً و13 وحدة شرطة بميزانية تبلغ 1.3 مليار دولار؛ لم تنجح في مهمتها المتعلقة بحماية المدنيين وتوصيل المساعدات، حيث اتسم أداؤها بالضعف وسط شكوك متنامية حول عدم فاعلية قواتها؛ فدفاتر البلاغات في دارفور ظلت على الدوام تسجل تعرض جنود البعثة وسياراتها لعمليات الاختطاف، فهي لم تستطع حماية نفسها ناهيك عن المدنيين. ورغم نيران الانتقادات التي فتحتها الناطقة السابقة باسم البعثة عائشة البصري، وما نشرت من وثائق تؤكد فشل البعثة في أداء مهامها، وقد نشرت البصري وثائق في وسائل إعلام عالمية؛ لكنّ مرافعتها لم تحل دون تجديد تفويض البعثة، فقرر مجلس الأمن التجديد لعشرة أشهر أخرى، بينما تباينت مواقف الأطراف ذات الصلة بالأزمة، فالحكومة السودانية أبدت تحفظها على القرار، وقالت على لسان ممثلها في الأممالمتحدة السفير رحمة الله عثمان وقتها إن القرار لم يراعِ التطورات الإيجابية للأوضاع في دارفور، فهل ستمانع البعثة؟ لكن السفير عثمان السيد يقول ل(السوداني): "من المشكلات الأساسية أن اليوناميد دخلت تحت الفصل السابع، الذي يعطي الأممالمتحدة المجال لتفرض تدخلها بالقوة بعد الحصول على موافقة مجلس الأمن، في حالة كان الوضع مهدداً للأمن والسلام الإقليمي أو العالمي وبالتالي يتيح للأمم المتحدة أن تدخل دون إذن السودان"، لكنه يشير إلى مجهود مبذول بعدم تصعيد الموقف بين الأممالمتحدة والسودان، واستطرد متوقعاً تدخل دول روسيا والصين قبل مرحلة استعمال الفيتو لتجنب التصعيد، ولفت إلى أن الأمريكان لأسباب كثيرة لا يحبون التصعيد في هذه المرحلة، كما أن موقف السودان الرابط بين الدول العربية والأفريقية بجانب أنه يربط بين دول القرن الأفريقي: أريتريا وإثيوبيا وجيبوتي والصومال، بالإضافة إلى وضعية دولة الجنوب، له تأثير كبير على مجريات الأحداث الإقليمية، فحال حصول أي شيء في السودان سيكون له تداعيات سالبة على الوضع الإقليمي والدولي. :::