شكراً الكُمر الثانوية اتصال هاتفي تلقته (السوداني) من أسرة مدرسة الكمر الثانوية للبنات بمحلية جنوب الجزيرة لزيارة الصحيفة في زيارة علمية لطالبات المدرسة، درجت المدرسة على إقامتها سنويا وهي المرة الثانية التي تزور فيها الصحيفة. كان الأمر مدهشاً للصحفيين بصالة التحرير، وكان هناك شبه إجماع على سؤال واحد: (هو بالله لسع في مدارس بتعمل رحلات علمية)، وتم استقبال الطالبات الأربعاء الماضي واظهرن قدرات عالية في النقاش والأسئلة، وأمضت أسرة المدرسة ساعات رائعة وقدمت الطالبات أشعارا ومديحا وغناءً وطنيا وكلمة شكر، وكان المحررون في الصالة يتابعون هذا الإبداع بدهشة كبيرة. الأمر المشرق أيضاً أن المدرسة هي حكومية ومسنودة بالعون الذاتي، وكما هو معروف فالمدارس الحكومية "حدِّث ولا حرج" حيث تنعدم جميع النشاطات فيها، وأصبح لا يدرس فيها إلا المضطر، لأن النشاطات الرياضية والابداعية اصبحت حكراً على المدارس الخاصة. أثارت الزيارة شجون الكثيرين وعادت بهم إلى سنوات خلت عندما كانت المدرسة الحكومية ذات شأن وتتوفر فيها كل المعينات التي تساعد الطالب على التفوق والنبوغ، من الوجبة وحتى الصحة المدرسية والفلاحة والرياضة، والزيارات العلمية التي تعطي الطلاب الدافع للنبوغ والتفوق وتفتح ذهنهم على أن طريق العلم سيوصلك إلى ما تبتغي ولتحديد مساراتهم في الحياة ورسم طريقهم نحو المستقبل. تستحق مدرسة الكمر الثانوية والقائمون على أمرها صوت شكر على إحياء هذه القيمة الجميلة كما أنها تؤكد أن الجهد الشعبي بإمكانه فعل المستحيلات. عندما كنا ندرس في المرحلة الابتدائية بمدرسة شندي الشرقية كانت هناك رحلة مجدولة للطلاب عند الوصول للصف السادس إلى أهرامات البجراوية، وزيارات إلى المستشفيات والكثير من المرافق؛ فعندما تطَّلع على هذه المرافق في مرحلة مبكرة من العمر فقد تجد طبيباً يحبب إليك المهنة أو مهندساً أو معلماً أو صحفياً...إلخ، ويجعلك تحدد مسارك نحو المستقبل، واختيار إحدى المهن التي أحببت. لا أدري هل نحن شعب كتب عليه الشقاء كل (حاجاتنا) الجميلة أصبحت من التاريخ، في الكورة العصر الذهبي وفي الصحة أيضاً وفي التعليم وأي حاجة بقينا (نقول يا حليل أيام زمان)؟ متى نجعل الماضي قاعدة للانطلاق نحو المستقبل؟ لا بد أن يكون درس (مدرسة الكمر)، محطة لإعادة الروح إلى كل مدارس الحكومة، وهي دعوة إلى كل أولياء الأمور الذين لا يستطيعون للمدارس الخاصة سبيلاً، أن يعقدوا اجتماعات بالمدارس في أحيائهم وأن يعلوا الهمة والجلوس مع الأساتذة في المدرسة لمعالجة النواقص بالدعم الذاتي وعبر النفير لتتم إعادة تأهيل هذه المدارس والتواصل الدائم مع الأساتذة، لمعرفة المشكلات التي تعترضهم في العمل، و(جنيه على جنيه، القصة بتمشي)، وكل ذلك حتى يجد الطلاب البيئة المناسبة للنبوغ والتفوق في عصر أصبحت فيه قيمة الإنسان وفقاً (لما يحمل في جيبه)، وانهارت فيه العملية التربوية وأصبحت المنافسة بين المدارس الحكومية والخاصة كمباراة بين برشلونة وفريق سوداني بالدوري الممتاز. أتمنى أن يكون نموذج مدرسة الكمر دافعاً لنا لإعادة الهيبة والريادة للمدارس الحكومية ب(العون الذاتي)، وشكراً للقائمين على أمر المدرسة وطلابها الذين انتشلونا من هذا الإحباط وأكدوا أن هناك بارقة أمل نحو المستقبل