قبل 5 أشهر من تاريخ اليوم كنت ضيفاً على شخصية دستورية رفيعة بالقصر الجمهوري .. سعدت ببشاشة الاستقبال وحفاوة الترحيب الذي لم يمنع مضيفي الذي تربطني به صلة مودة تجاوزت العقدين من الزمان من سؤالي عن سبب شرود ذهني وسرحان طارئ قال إنه لا حظه منذ دخولي القصر وجلوسي على كرسي مكتب زرته كثيراً طيلة سنوات الإنقاذ ..أجبته بصراحة إنني أفتقد الأستاذ علي عثمان محمد طه .. قلت له وبالوضوح كله إنني لم أستوعب بعد مغادرة شيخ علي للقصر الجمهوري في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الوطن .. أعهد في مضيفي صراحة ووضوح لا أجدهما في غيره من رموز وقيادات الحركة الإسلامية السودانية .. ولهذا باغته بسؤال فوجئت ببرودة تفاعله معه ورده المباشر والصريح عليه .. قلت له : هل سيعود الأستاذ علي عثمان محمد طه والدكتور نافع علي نافع لقيادة الحزب والدولة خلال المرحلة القادمة ؟!.. سألت مضيفي بنصف ابتسامة .. كنت أتوقع والشهادة لله أن خروج الرجلين من القصر وشارع المطار حيث مقر المركز العام لحزب المؤتمر الوطني ليس إلا سيناريو قصير لإخراج مرحلة جديدة من مراحل تفعيل الجهازين التنفيذي والسياسي .. لكنني فوجئت لحد الذهول بإجابة صارمة ومقتضبة (شيخ علي ود.نافع ما حيرجعوا تاني .. لا للحزب .. ولا للجهاز التنفيذي) ..ألم أقل لكم إن مضيفي رجل صريح وواضح ؟!.رمى وبهدوء شديد بكلماته هذه .. وجدتها فرصة لسؤاله عن الأسباب .. حصلت على إفادات نادرة كفتني منذ مدة طويلة رهق التفكير في أن حركة التبديل والتعديل التي تتم للوجوه القيادية والشبابية لحزب المؤتمر الوطني تعبر عن رغبة ممنهجة في الإصلاح والتثوير وفتح منافذ جديدة لهواء التجديد داخل أوردة وشرايين ومفاصل الحزب .. ظللت أقول لكل من يسألني من أبناء جيلنا ومشايخنا الذين اعتزلوا طابور الحزب والدولة منذ سنوات خلت .. ظللت أقول لهم سيطول انتظاركم لثورة الإصلاح والتجديد داخل الحزب والدولة .. ثلة من هؤلاء يتفاوتون في أسباب جلوسهم على الرصيف السياسي ومساطب المشاهدة من مقصورة إستاد الإنقاذ الرئيسي الذي احتل ملعبه ومطبخه السياسي لاعبون جدد لهم خطة لعب ومقاصد تكتيك لا تستوعب قدامى المحاربين وشيوخ البدايات السعيدة .. إنه منطق الحركات الإسلامية التي تصل إلى السلطة ..لا يمكن لها الاستمرار بذات الفريق والاعتماد عليه في كل جولات ومواجهات التنافس .. هنا تتطلب أصول الاحتراف التنظيمي والسياسي أن يرضى بعضهم بمنطق اللحظة والمجموعات التي تسيطر على مقود العربة ورسن الفرس !! من أجمل ما قرأته في خواتيم العام الجاري ماخطه بالأمس قلم الأستاذ عادل الباز بصحيفة اليوم التالي ..أوصى من فاتهم الاطلاع بمراجعته لأنه يشخص وبدقة الواقع الحالي للمؤتمر الوطني وجهازه القائد في الحزب والدولة .. ماخطه قلم الباز يعني الصف الداخلي للإسلاميين عامة ولناس المؤتمر الوطني خاصة ..أحتفظ بحقي الأدبي في مفردة الانسحاب الوجداني التي أطلقتها منذ فترة لوصف حالة الانزواء والاكتفاء بالفرجة التي يتعامل بها عدد كبير من رموز التيار الإسلامي في البلاد مع الواقع الماثل .. محزن حقا أن يلحق الشيخ علي عثمان والدكتور نافع علي نافع بطابور المنسحبين وجدانياً مما يدور اليوم في ساحة العمل التنظيمي والسياسي بالبلاد .. ليس من منهجي التشاؤم ..لكنني وجدت فيما خطه عادل الباز تجسيدًا عملياً لحالة الإنسحاب الوجداني من قضايا خطيرة داخل الوطن والوطني .. شكراً عادل الباز .. لقد أسمعت لو ناديت حيا .، ولكن لا حياة لمن تنادي !!