الشكر لصحيفة "السوداني" لطرحها هذا الموضوع الحيوي المهم والذي نرجو له أن يكون أول خطوة عملية نحو السعي لعلاج المشكلة ورأب الصدع والتئام المسلمين، وليس كما تنبئ العناوين التشاؤمية التي أبرزته كبداية للصراع والاحتراب والصوملة، فلنترك هذا الأسلوب والطرح المنفر إلى ما هو أفيد وأصلح. كما أشيد بالحوار الذي تطرق لمناح متعددة من أركان الموضوع، ولكن هناك أركان أخرى مهمة غابت عن النقاش ولذلك لابد أن نتعرض لها بالتفصيل "حتى تكتمل الصورة" ومن دونها يصبح الأمر مبتوراً ومشوهاً. وغير غائب عنا أن توضيح الحقائق كاملة أمام القارئ يصب في خانة التهدئة والتنوير ويمنع الشطط. وقد سرني وشد انتباهي ما جاء في الحوار من تصحيح لمفهوم خاطئ ظل سائداً لأمد طويل في بعض الأوساط الدينية ويغيب الصورة الحقيقية ويبرز الصورة الشائهة المعكوسة، التي تجعل من المظلوم ظالماً والظالم مظلوماً. والملفت للنظر أن هناك شبه إجماع ممن حاورتهم الصحيفة ومنهم المحلل السياسي والكاتب مكي المغربي، ورئيس حزب الوسط، والداعية عبد الفتاح أمير جماعة أنصار السنة ببحري على براءة الطرف المظلوم وهم أنصار السنة مما نسب إليهم وأنهم هم الذين يقع عليهم الظلم والعسف والإيذاء بل العدوان واستحالة أن يكون العكس هو الصحيح كما جاء على لسان المغربي، أضف لهؤلاء شهادة مدير تحريركم عثمان فضل الله في برنامج "خطوط عريضة" لتؤكد نفس الشيء، وليس هناك ما يجمع بين كل هؤلاء سوى الحيادية والوقوف مع الحق. أما أمير جماعة انصار السنة ببحري الداعية عبد الفتاح فقد نثر علينا أقوال السلف الصالح مشفوعة بالأحاديث والأدلة القرآنية وجميعها تحض على الدعوة بالحسنى " ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (125)" وكانت مرافعته الراقية ليست دفاعاً عن جماعته، وإنما منارة دعوية يهتدي بها كل من دعا إلى الله وليس أنصار السنة فحسب.. فحق لهذه الكلمات العذبة أن تكتب بماء الذهب لحاجتنا إليها، وقد شهد الكاتب والمحلل السياسي مكي المغربي أن الاعتداء بالسيوف وغيرها قد وضع على جماعة أنصار السنة وليس العكس بصحيح، كما يصوره الطرف الآخر وهم المتصوفة بادعاء أنهم هم المظلومون الصابرون، وهناك شعار جميل يردده الصوفية في أشعارهم وإنشادهم غير أنه لا يوجد على أرض الواقع وهو قولهم " بوريك طبك.. أحسن فيمن عاداك ومن يحبك .. " ونحن في انتظار ترجمة هذا الشعار الجميل على واقع الساحة الدينية في السودان!! ولتكن أول مبادرة اقترحها عليهم أن يتنازلوا عن كلمة "وهابية" التي يرمون بها خصومهم (وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) "سورة الحجرات. كما أنني أذكر بواقعة شهدها كل من تابع أخبار المتصوفة وهي تصاعد الخصومات في داخل البيت الصوفي "السماني" نفسه ولم يكن لأنصار السنة علاقة بالموضوع وليسوا طرفاً في ذلك الصراع الذي نشب بين الشيخين الأخوين الشقيقين محمد وحسن ابني الشيخ قريب الله، ووثق ذلك الصراع في كتاب "تعريف وبيان.. للحقيقة والتاريخ" ط 2008م، لمؤلفه محمد الفاتح شيخ الطريقة الحالي والذي كتب رداً على رسالة شقيقه البروفيسور حسن في الماجستير 1965م، بعنوان "التصوف في السودان حتى نهاية عصر الفونج" جامعة الخرطوم. ووجه الاستدالال هنا أن الخصومة قد تقع بين أقرب الأقربين كما وقعت بين ابني آدم عليه السلام، والأمر قد يتفاقم إلى ما هو اسوأ من النقاش، كإغلاق المساجد كما حدث لأنصار السنة بالزريبة، بل يتعداه للاشتباك داخل البيت الصوفي ولسنا في موضع شماتة، والعياذ بالله، ولا أحد يرغب في زيادة الشقة بين المسلمين، فليس ذلك من الخلق الديني، وإنما نقرر مبدأ ثابتاً وهو أن جمع الصف الذي يتردد كثيرا عند الصوفية وغيرهم ممن يتعاطف معهم من المسؤولين وأجهزة الإعلام، لن يحصل ولا يجب أن يحصل إلا على النهج القويم "الكتاب والسنة" ومرجعية السلف الصلح، أما بغير ذلك كما يتوهمون فلن يكون اجتماع الأضداد وحدة ترضي الله.. وفي هذا المقام لابد أن نذكر بعض الوقائع التي حدثت في زمان مضى في منطقة الخرطوم لتؤكد ما سبق وأشرنا إليه بأن جماعة انصار السنة بريئة مما نسب إليها وإن كان هناك عنف فهو يمارس ضدها لا منها.. فدروس الشيخ ابي زيد واخوته في مسجد الخرطوم الكبير كل يوم خميس في اواخر السبعينات استمرت لفترة ولم نسمع أن هناك شجارا حدث او خرج الأمر عن المألوف، ثم جاءت المناظرات التلفزيونية بين الشيخ ابي زيد وشيخ علي ثم الشيخ عبد الجبار المبارك رحمه الله وإلى أن انتهت لم يحدث فيها شيء منكر، هذا عدا الحلقات الميدانية في الأسواق والجامعات. أعود فأقول إن إجابات الداعية عبد الفتاح قد نفت عن الجماعة تورطهم في أي حوداث ارهاب وإنما اثبت ذلك لفئة ثالثة غير الصوفية وأنصار السنة وهي "جماعة التكفير والهجرة" وهم على شاكلة الخوارج الأول في عهد علي بي أبي طالب.. وهذه الفئة التكفيرية هم أعداء للمتصوفة كما هم اعداء لأنصار السنة، ولا ننسى حادثة الاعتداء على مسجد الشيخ أبي زيد بالحارة الأولى، ثم مسجد انصار السنة بالجرافة، ومسجدهم بود مدني.. وهؤلاء التكفيريون وإن سموا انفسهم بالسلفيين فالسلفية منهم براء. ولذا وجب التنويه والتفريق فهم الذي نفذوا التفجيرات في مساجد الصوفية كما فعلوا مع أنصار السنة، وما لا يعرفه الناس هنا أن أول من هاجم هذه الجماعة التكفيرية ونبه لخطورتها وحذر منها هو الشيخ ابو زيد في دروس الخميس بالمسجد الكبير في نهاية السبعينات ولذلك السبب كان هو الهدف الأول لاعتداءاتهم.. وفي المحيط الخارجي يذكر الناس كيف اغتالت هذه الجماعة التكفيرية شيخ الأزهر السابق محمد الذهبي، ثم حادثة الاعتداء على الحرم المكي الشريف، فكل هذه الوقائع سواء أكانت في داخل بلادنا السودان أم خارجه لتؤكد أن المجرم الحقيقي والمتهم بالإرهاب هو هذه الجماعة التكفيرية وإن تلفحت بثوب السلفية، وهي أبعد ما تكون عن نهج السلف.. وقد بين الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في أحاديث النبوة أن هؤلاء "يخرجون من الإسلام كما يخرج السهم من الرمية" فالواجب على اخوتنا المتصوفة أن يركنوا للعقل ولا ينساقوا للعواطف ونريد منهم الانصاف والوقوف مع الحقيقة حيث كانت، فإن هم أحجموا عن ذلك فغيرهم في الساحة لن ينخدع بالتحرشات والاستعداءات والاستقواء بالسلطة وهو يرى الحقائق ماثلة أمامه. ولا ينسى هؤلاء أن جيل الشباب اليوم غير جيل الأمس، فقد كان في الماضي كتاب واحد هو إنجيل الصوفية "طبقات ود ضيف الله" أما اليوم فهناك المئات والآلاف من المطبوعات التى تنقد وتمحص وتراجع، وإن سكت بعض العارفين ببواطن الأمور، فالأكاديميون والمؤرخون المحايدون لن يسكتوا ولن يجبرهم أحد على كسر اقلامهم. يتبع