أعيش حالة من الغبطة والامتنان والفخر كلما أزور مشروع شركة سكر كنانة الزراعي وأتنقل بين (نمر القصب) والغابات الحمائية، وتربية المواشي المصاحبة، والحديقة الجميلة، بجانب المصنع وملحقاته من مصفاة الإيثانول، ومصنع الأعلاف وغيرها من المشروعات العملاقة التي دخلت فيها الشركة، وكان مصيرها النجاح، لكن بالمقابل نتذكر مشروع الجزيرة وماضيه التليد، وتزداد حسرتي وغيظي من حاله اليوم وهو مشروع يرقد في أرض منبسطة ومسطحة، في مساحة (2200) فدان يسقى من ري انسيابي بلا تكلفة تذكر، وبنيات تحتية لا مثيل لها في أي مشروع زراعي أو استثماري في البلاد، فتخيلوا معي كيف يكون حال البلد إن أُدير هذا المشروع بالأسلوب الذي تدار به شركة كنانة الى اليوم؟ فالإجابة عندي سوف تخرج منه مئات المصانع، وآلاف الشركات ذات علاقة. من منا - نحن السودانيين- لا يدرس عن مشروع الجزيرة في مراحل تعليمه المختلفة، الذي يوصف بأنه أكبر المشاريع الزراعية في إفريقيا والعالم كله، وأسلوب إدارته، والدورة الزراعية، عن قنوات الري ابو عشرين، وابو ستة، والجداول وغيرها من متعلقات المشروع والتي لم نسمع بها إلا في دراسة مشروع الجزيرة في المدرسة.. أما مشروع سكر كنانة لم يجد ذلك الحظ من الاهتمام في مناهجنا التعليمية، وكانت ثقافتنا عنه فقط من جوالات السكر، في إطار تعلمنا للغة الانجليزية في المرحلة المتوسطة (kenana sugar company) حيث نتبارى بالحديث عنها وتعد حينها من الكلمات الكبيرة، وهي بحق كبيرة لأنها استطاعت أن تتغلب على التحديات، واستمرت في نجاحها، فيما فشل مشروع الجزيرة ذاك العملاق الذي تقزم. ما الذي يقف وراء تدهور مشروع الجزيرة؟، وهو ليس المشروع الوحيد، بل تدهورت معه صناعة الزيوت، والغزل والنسيج، وحتى صناعة الصوابين؟... عندما طرحت السؤال لأحد الاقتصاديين الذين عركتهم التجربة والممارسة العملية، قال لي إن سبب التدهور هو تدخل الحكومات في مشروع الجزيرة وإدارته له بمنهج سياسي لا اقتصادي استثماري، وكذلك تدخلها السافر في المصانع التي يمتلكها رجال أعمال وطنيين، وعزا نجاح شركة سكر كنانة الى الشراكة العربية في المشروع، والتي بدورها أسهمت في إنجاح مصانع السكر الحكومية الأخرى، لتصبح صناعة السكر هي الصناعة الوحيدة التي صمدت وتقوت من العواصف التي مرت بها. أنا أوافقه فيما ذهب إليه، وهناك نماذج شاهدة على ذلك ومنها شركات الاتصال... إذاً فما هو المخرج؟ هو سؤال أطرحه ونتمنى الإجابة عليه من أهل الاختصاص حتى نتمكن من فك هذه العقدة التي باتت تلازمنا حتى في إدارتنا السياسية، عفواً الحلول السياسية لمشكلات بلادنا.