هل تعود الأمور إلى نصابها؟ تقرير: محمد حمدان هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته تحولات وتفاعلات عميقة تحدث في الواقع، قد يتمخض عنها شيء ما، وتتباين الرؤى فيما يجري بالمنطقة العربية والأفريقية: فوضى خلاقة أم تشكل جديد لتحالفات أخرى؟ وبات اللعب على الانهيار وذوبان السقوف مع محاولة تثبيت مداميك المصالح أبرز العلامات؛ تلك هي الحالة التي تراوح مكانها آنياً، ثمة شيء يتبلور. الحكومة السودانية حلَّت أمس في ضيافة الإمارات بتشكيلة تضم لاعبين اقتصاديين وأمنيين، وقبلها كرتي وغندور في أمريكا، والسيسي قادم إلى السودان للمرة الثانية منذ صعوده إلى الحكم بمصر، والمنطقة من شمال مالي حتى أفريقيا الوسطىوتشاد تشهد سيولة حادة. ++++++++++ تحولات وتحالفات المسرح العربي لا زال صدى صرخة (هرمنا) التي أطلقها التونسي أحمد الحناوي بعد انهيار نظام بن علي الشمولي في تونس يتردد صداها، بل قاد إلى تحولات جذرية في الملعب العربي؛ فاندلاع ثورات الربيع العربي عبر رحلة مليئة بالدموع والبارود لم يتوقف، وقد ترتب على ذلك أُفول نجوم وصعود أخرى في المسرح العربي، لا سيما في مصر وليبيا وتونس واليمن وبلدان أخرى أصيبت بالزكام، واستبقت الحدث بترتيبات حالت دون وقوعه. اختلفت التفسيرات حول الربيع العربي، وحدوثه، ودوافعه ومن يقفون خلفه، إلا أن المتفق عليه قد أتى بتوجهات جديدة، لا سيما بعد سقوط عروش دكتاتوريات مصر وليبيا وتونس؛ ففي بواكير تبلور تيارَيْن بالمنطقة: الأول تيار مناوئ للإسلاميين تقوده السعودية وجميع دول الخليج عدا قطر، بالإضافة إلى الأردن؛ والثاني مصنف بأنه مساند للإسلاميين ويضم قطر وتركيا وإيران وبرز كلاعب مساند للمجموعات الإسلامية في تونس ومصر وليبيا، والسودان محسوب على هذا التيار الأخير، بيد أن تلك الوضعية لم تستمر بفعل حدوث الثورة المضادة في مصر، التي أطاحت بمرسي وصعد على إثرها السيسي إلى سُدَّة الحكم، ليبدأ حقبة جديدة، وفيه تقود مصر رسمياً تحالفاً أوسع ضد الإخوان المسلمين في المنطقة. ورغم الرمال المتحركة للسياسة، إلا أن السودان أصبح أحد اللاعبين الأساسيِّين في المعادلة الجديدة، وهذا ما يعزز نظرية فقه الواقع التي يرى بعض المراقبين أن المجموعة الحاكمة في السودان تتعامل بها وتمضي في اتجاه الاهتمام بالدولة القطرية لا سيما في الآونة الأخيرة. ويرى خبراء أن التحركات الخارجية من المتوقع أن تمثل بداية لفك ما يعتبر عزلة عن السودان، لعوامل موضوعية أبرزها موقع السودان للدول الأفريقية والعربية وأهميته في التحولات التي تجري على المستوى العربي والدولي، والتهديدات في اليمن وسوريا وليبيا وغيرها من الدول. ولعل اتجاه بعض الدول لبناء تحالفات وتبادل المعلومات والخبرات لمواجهة الأخطار المحدقة بالمنطقة لا سيما في الشرق الأوسط والخليج، يعتبر أحد العوامل المساهمة في فك العزلة على السودان. ++++++++++++++ مصر.. مفتاحية التحولات في المنطقة العربية شهدت مصر تغييرات مهمَّة بفعل ثورة 25 يناير المصرية، وما أعقبها من صعود جماعة الإخوان للحكم وإلى قيام الثورة المضادة التي أطاحت بحكومة مرسي، وما ترتب عليها من تغييرات وانتخابات أفضت إلى وصول الجنرال عبد الفتاح السيسي إلى سدة الحكم في أم الدنيا. خلال تلك الفترة تأثرت علاقات البلدين بحالة السيولة جراء المشهد الدرامي الذي ساد مصر وما اكتنفه من عدم استقرار سياسي. ورغم أن علاقاتهما لم تكن في أحسن حالها في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك؛ إلا أنها بدأت بخطوات متنامية نسبياً في عهد مرسي الذي سجَّل زيارة للخرطوم في أبريل من 2013م، لكن الحدث الأهم فيما يبدو أن البلدين بصدد فتح علاقات جديدة قائمة على أرضية من الثقة وتبادل المنافع، ويتضح ذلك في خطوات الجنرال السيسي الذي زار الخرطوم في يونيو مع العام الماضي. وفي المقابل زار البشير القاهرة ليومين توصل فيهما إلى تفاهمات. وبالنظر إلى البلدين، نجد أن بينهما قضايا مهمّة مشتركة كمياه النيل وسد النهضة والتبادل التجاري، فضلاً عن روابط الثقافة والتاريخ، غير أن قضية حلايب وشلاتين لا زالت عقبة لم يتم تجاوزها، وتبرز بين الفينة والأخرى إلى السطح، وتفرض نفسها واقعياً كمشكلة تبحث عن حل. ومن المتوقع أن يزور السيسي السودان خلال الفترة القادمة، وحال إنفاذ الزيارة، قد تشكل تحولاً كلياً لعلاقات البلدين والمنطقة. +++++++++++++++ دول الخليج.. تعاون اقتصادي وسياسي وصل رئيس الجمهورية، عمر البشير، إلى مطار أبوظبي الدولي، مساء أمس، في زيارة تستغرق أربعة أيام، وقد استقبله نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة في دولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ منصور بن زايد آل نهيان. تستغرق الزيارة عدة أيام، ويرافق البشير وزراء الدفاع والخارجية والكهرباء والمالية والنفط والعمل ومديرو الشرطة والأمن. ويقول وزير الاستثمار، مصطفى عثمان إسماعيل، في تصريحات سابقة، إن الرئيس البشير يعتزم زيارة عدد من الدول الخليجية على رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، ومملكة البحرين، إضافة لدولة الكويت لتعزيز علاقات التعاون الاقتصادي والسياسي. ولعل الرسالة التي يمكن قراءتها في طيات زيارة البشير بمصاحبة جنرالات الأمن والشرطة والدفاع، ليست بعيدة عن التحالفات التي تدور بالمنطقة، إن لم تكن تمثل تحولاً كبيراً في خارطة التحالف الجارية. =========== أمريكا.. دينمو "الماكينة" قبل يومين قدمت السفارة الأمريكيةبالخرطوم، الدعوة لبعض قادة القوى السياسية لمقابلة نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي للديمقراطية وحقوق الإنسان، ستيف فيليت، الذي من المتوقع أن يصل البلاد الأسبوع المقبل وتستغرق أسبوعاً. الزيارة أتت بدعوة من الخارجية السودانية. وتأتي زيارة قيليت بعد الزيارة التي قام بها غندور وكرتي كل واحد على حدة إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية في فبراير الجاري، كما أنها تأتي بعد أن أعلنت الولاياتالمتحدة فكَّ حظر البرمجيات "السوفت والهارد وير"، التي تمثل الإضاءة الأبرز في محطات البلدين التي اتسمت بالعداء الحاد منذ بواكير التسعينيات، ولذا ربما من المحتمل أن تنتقل علاقات البلدين من مربع الشك والتربص إلى مربع التفاهم والتدرج نحو التطبيع. وفيما يبدو أن لأمريكا دوافع أخرى، أبرزها الإرهاب وظهور داعش وجماعات بوكوحرام، والسودان يمكن أن يلعب دوراً محورياً في هذا الجانب. ويعتبر المحلل السياسي محمد حسين الركابي، أن بقاء النظام طيلة هذه الفترة رغم الضغوط عليه، وما حدث في المنطقة العربية؛ عزَّزَ من موقف مجموعات الضغط المساندة للسودان، وعلو صوتها مؤخراً، بعد أن كان خافتاً أمام لوبيهات (أنقذوا دارفور) التي تضم 170 منظمة مختلفة. ويضيف ل(السوداني): "بعض تلك المجموعات ترى ضرورة الاستفادة من السودان والاستعانة به لمحاربة الإرهاب، خاصة جماعات بوكوحرام وداعش"، فيما يشير إلى أن زيارة مساعد وزير الخارجية الأمريكي تأتي في إطار التحقق، وفي سياق زيارة سابقة لوفد أمريكي ما بين عامي 1998 إلى 2000، بدعوة من الحكومة السودانية. ودعا الركابي الدولة إلى إبراز الحقيقة، متوقعاً في المدى الطويل حال اتباع سياسة هادئة أن يُرفع اسم السودان من قائمة الإرهاب وتُرفع عنه العقوبات. ++++++++++++++ إيران.. سياسة الابتعاد والارتخاء اتسمت العلاقات الإيرانية-السودانية بالدفء والعمق لا سيما في القضايا الأمنية والدولية، وظلت تلك العلاقة تنمو بعيداً عن واجهات الإعلام. ورغم تحفظ بلدان الخليج على تلك العلاقة، إلا أن قرار الحكومة بإغلاق المراكز الثقافية الإيرانية في البلاد، وما تلاه من طلب مغادرة القائمين عليها للأراضي السودانية بعث بعلامات الرضا داخلياً، وفي ذات الوقت أبلغ دول الخليج رسائل أخرى، وهو مؤشر على أن العلاقة لم تكن بذات المستوى السابق، وربما أنها تصدَّعت قليلاً. وأحد دوافع السودان للتوجه صوب إيران العزلة الدولية وتكثيف العقوبات الاقتصادية وإدراجه ضمن الدول الراعية للإرهاب بمعية إيران، فهل تكون خطوات السودان الجديدة وتحركه في المحيط الخليجي ومصر خصماً على إيران مقابل فك عزلته الدولية، أم أن السودان يحتفظ بكل الكروت ويحقق دبلوماسية التوازن والمواقف في علاقاته؟ هذا ما ستفصح عنه الأيام. ++++++++ التحركات الخارجية.. حسابات الربح منذ انفصال الجنوب وبداية انهيار نظام ليبيا وأزمة مالي والصراع العنيف في أفريقيا الوسطى؛ بدا المجتمع الدولي شبه متناقض تجاه السودان، ويتضح التناقض من ناحيتين: من ناحية أن الحكومة لم تحقق تقدماً في مسألة حقوق الإنسان وقضايا الحريات ومناطق النزاع في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، ومن ناحية أخرى ينظر المجتمع الدولي إلى ضرورة بقاء النظام السوداني نسبة لسيولة الأوضاع من شمال مالي حتى أفريقيا الوسطى، وللحفاظ على الأوضاع دون الانهيار كلياً، ولا بد من الحفاظ على النظام في السوداني في المنطقة، هذا هو الخلل في المجتمع الدولي، هكذا يقول الناشط والمحلل السياسي محمد حسن عثمان التعايشي، ويضيف: "الآن الأمور أكثر خطورة من ناحية إستراتيجية وأمنية، فدولة ليبيا بعد انهيار نظام القذافي لم يتأسس نظام بديل لها، وحالياً المجموعات المتطرفة أوشكت أن تكون بديلاً النظام، وإذا حدث لا يمكن التنبؤ بمدى حجم الأزمة في دول الساحل الصحراء من مالي حتى غرب ووسط أفريقيا، بالإضافة إلى تمدد جماعة بوكوحرام حتى تشاد، فأصبحت هنالك حاجة ماسة للخرطوم للعب دور في هذا الموضوع". ويلفت التعايشي إلى أن الخرطوم تدرك جيداً هذا الدور، وهو ليس موقفا ثابتا لها، ويمضي مؤكداً ل(السوداني) أن التحول الدراماتيكي الجديد أتى في صالح حكومة الخرطوم وتسعى لتوظيفه لتحقيق هدفين: إيجاد تأييد للعملية الانتخابية، ومن ناحية أخرى محاولة فك العزلة الاقتصادية وما تسببه من أضرار اقتصادية، لا سيما أن الحكومة مهددة بأوضاع اقتصادية بالغة التعقيد، ولذلك هي تقدم تنازلات مهمة للمجتمع الدولي، والأخير في ذات الوقت محتاج لها بنسبة 100% لا سيما مصر، لأنها تريد أن تكسب الخرطوم لضرب تحالف قطر وأي معالجة أمنية للوضع في ليبيا ومالي وجنوب السودان لا يمكن دون مساعدة الخرطوم، والأخيرة مدركة لهذا الواقع، والمجتمع الدولي هو الآخر يعرف جيداً أن الحكومة يمكن أن تقدم أي تنازلات.