العام 1988 كنت أترأس قسم التغطية الإخبارية الخارجية في التلفزيون القومي، في ذلك العام تعرّفت على الراحل الزهاوي إبراهيم مالك، وكان مدخل التعرف عليه حوار تلفزيوني أجريته معه في حفل تكريم له من قبل مجلس الوزراء باعتباره من الوزراء الذين طوروا الأداء في قطاع الكهرباء، وكان الراحل يشغل منصب وزير الدولة بوزارة الطاقة، كانت الكهرباء أيام الديمقراطية الثالثة نعمة نادرة الحدوث للحد الذي توقف التلفزيون القومي لأيام بسبب انقطاعها، وشاع في تلك الأيام تعبير اِقتصر فقط على الإذاعة والتلفزيون (نأسف لانقطاع التيار الكهربائي)! حين تولى الزهاوي هذه الحقيبة اِنتظمت الكهرباء ونشأت علاقة ود متبادلة بينه وبين نقابة المهندسين الذين كان معظمهم وقتئذٍ من نشطاء اليسار فقد تلقى معظمهم تأهيله الأكاديمي في الاتحاد السوفيتي ومنظومة الدول الاشتراكية الأخرى حين بلغ الزهاوي هذا الشأو الكبير من النجاح وصارت الكهرباء في متناول المصابيح والمصنع، قرر مجلس الوزراء تكريمه بمشاركة نقابات العاملين. كانت خلاصة الحوار الذي أجريته لصالح التلفزيون أنه ليست هنالك عصاة ساحرة، والأمر لايحتاج لتلك الإمكانات المهولة، إنه ببساطة لايخرج عن ترتيب إداري سمته (المتابعة). في العام 89كان لي لقاء من نوع مختلف مع الزهاوي فقد حدث التحول السياسي في 30يونيو وأوكل الصادق المهدي رئاسة الحزب للزهاوي ومنحه صلاحية اختيار الكوادر التي تعمل معه في تلك المرحلة الدقيقة، فاختارني ضمن مجموعات الاتصال مع النقابات المهنية، ربما لا يعرف الكثيرون أن رئيس حزب الأمة إبان فترة اعتقال الإمام الصادق كان الزهاوي إبراهيم مالك! سبقته في الاعتقال ولحق بي بعد عام لتعبد عزلة المعتقل طريق صداقتنا التي امتدت حتى اختاره الله بجواره. سألته ذات مرة عن سر انتمائه لحزب الأمة منذ سني دراسته بجامعة الخرطوم، فأخبرني بأنه عندها كان طفلاً كان يداوم الجلوس على شاطيء النيل الأزرق قبالة رفاعة، وذات مرة رأى باخرة نيلية تقل السيد عبد الرحمن تسير قريباً من الشاطئ فلوّح له السيد عبد الرحمن بيديه فتحول ذلك التلويح لراتب حتى انقذفت في قلبه هيبة التلويحه فأصبح أنصارياً دون كل أبناء منطقته المعروفة بالانتماء للاتحاديين والمعرّفة أيضاً بالحزب الجمهوري فرفاعة هي موطن محمود محمد طه. الزهاوي دارس علوم سياسية فهو من الأكاديميين المتميزين الذين تخرجوا في جامعة الخرطوم أواخر الستينات، لكنه عمل مزارعاً بأضاحي الرنك، وله هناك مشروع زراعي منذ السبعينات لم تشغله عنه السياسة ولا الوزارة ولا الانقسامات الحزبية، كان يدير السنابل مثلما أدار الكهرباء!. ظل الراحل منذ عشر سنوات يقاوم المرض ببسالة وجسارة ويشارك في النشاط العام رغم صعود ضغط الدم وثقل النبض وقلة الحيلة في الحركة، وكان سديد الرأي في كل الأمور، وله نظرة سياسية واقعية لايمتزج فيها الرأي الشخصي بالموضوع وفي عهده وزيرا للإعلام شهد التلفزيون نقلة نوعية كبيرة وكان يتابع أداء الملحقيات الإعلامية بنفسه موجهاً ومقترحاً ومذللاً للصعاب الجمة التي تعانيها الملحقيات. كان الراحل مراعياً لأدب الخلاف فحين غادر حزب الأمة القومي وغادر التجديد والإصلاح، لم نقرأ له تصريحاً واحداً يسيء فيه لأي من رئيسي الحزبين، وكان على صلة ودودة بكل أصدقائه في الحزبين إلى أن مضى. رحم الله الزهاوي، الرجل الوسيم الراجح والسديد وأسكنه الجنان الفساح فقد كان متصدياً للخير كله وليس لعمل الخير، عزائي يمتد لكل أصدقائه من الساسة والمزارعين وبسطاء الناس ولأبناء عمومته أصدقائي من كل آل مالك برفاعة.