«الحزب لن يقفز من السفينة يوماً ما» بهذه العبارة قطع رئيس حزب الأمة الإصلاح والتنمية الزهاوي إبراهيم مالك عهداًأمام النائب الأول لرئيس الجمهورية الفريق أول ركن بكري حسن صالح في الإفطار السنوي الأخير للحزب، بأن حزبه سيبقى في الحكومة، وهو لا يدري بأنه على موعد مع القدر، لتغادر سفينته الحافلة بالمواقف والأحداث هذه الفانية ويسلم روحه إلى بارئها أمس بمستشفى فضيل وسط الخرطوم، لتشيعه جماهير حزب الأمة بتقسيماته المختلفة والأحزاب الأخرى بما فيها المؤتمر الوطني الحاكم إلى مثواه الأخير في مشهد يمثل عظمة مواقفه الوطنية. الإلهام هو ربما الذي قاد الزهاوي إلى إعلان اعتزامه لاعتزال العمل السياسي قريباً في ذات الإفطار الرمضاني، ولكن الرجل الذي ذهب بسره معه، بعث برسائل أمام النائب الأول للرئيس في المناسبة ذاتها، للحكومة والقوى السياسية السودانية، قال فيها إن الحزب الذي يرأسه هو الوحيد الذي أبعد وزيراً لأنه أهمل في المال العام.. وشدد بقوله إن الذي لا يؤتمن على المال العام لا يؤتمن على أي شئ، حسب تعبيره. وبرر مشاركته في الحكومة بأنها أتت من أجل أن تجسد في أرض الواقع من أجل الدين والوطن الذي يبدو أنه كان يشغل باله كثيراً، لدرجة جعلته لايعتلي منبراً إلا ويوصي بالوحدة الوطنية وتفويت الفرصة على ما يسميه بالتآمر الخارجي. ابن مدينة العلم «رفاعة» التي تتوسد الضفة الشرقية للنيل الأزرق قبالة مدينة الحصاحيصا بولاية الجزيرة و الذى درس الثانوي بالخرطوم الثانوية ثم انتقل إلى جامعة الخرطوم كلية الاقتصاد، حيث بذر نواة العمل الطالبي لحزب الأمة القومي هناك، تدرج في الحزب حتى أصبح مسؤول الشباب إلى حين الانتفاضة، ومسؤولاً عن الولايات ثم عضواً في المكتب السياسي.. و عُيّن وزيراً للدولة بالطاقة والتعدين، ثم رئيساً لمجلس الكهرباء ومجلس إدارة المياه ليأتي في مسيرة المواقع نائباً لمعتمد الخرطوم في عهد الديمقراطية، إلى أن جاءت الإنقاذ وأصبح وزيراً للإعلام و الاتصالات، ضمن حقائب حزب الأمة الإصلاح بقيادة مبارك المهدي، الذي كان هو نائبه، وبعدها فاز بدائرة رفاعة وأصبح رئيساً للجنة الإعلام ولجنة الصناعة في المجلس الوطني التي قدم استقالته منها لظروفه الصحية، وذلك بالتزامن مع ترك رئيس البرلمان إحمد إبراهيم الطاهر لموقعه. الدكتور الزهاوي إبراهيم مالك صاحب مواقف، هكذا وصف الأستاذ عبدالجليل الباشا القيادي بحزب الأمة الإصلاح و التجديد الفقيد الذي تعامل معه بشكل لصيق في ثلاثة مواقع، أولها عندما كان الباشا يقود العمل السياسي للحزب بجنوب كردفان وكان وقتها الزهاوي مسؤولاً عن الولايات التي يربطها بالمركز، وثانيها في المكتب السياسي الانتقالي عقب توقيع نداء الوطن، لتبقى الرفقة الثالثة في حركة الإصلاح والتجديد، حيث كانا يتقابلان بشكل شبه يومي.. ولم ينسَ عبدالجليل الباشا، وهو يتحدث بحزن يظهر من نبرة صوته على الهاتف، أن ينصف الزهاوي ويقول عنه إنه كان يتواصل مع الذين يختلفون معه والذين اختلف معهم، مضيفاً أنه كان رجلاً فيه الشخصية السودانية، مرحاً لا يمل الشخص مجالسته، وصاحب فكر ثاقب، بالرغم من أن رئيس حزب الأمة الإصلاح والتنمية كانت له ملاحظات على الشراكة السياسية التي وصفها في الاجتماع السادس للمجلس القيادي لحزبه بدار النفط بالخرطوم، بأنها أصبحت محاصصة وتوزيعاً للغنائم. وزاد بقوله حينها، إن أهل السودان يرفضون أن يكونوا «تمومة جرتق» في القضايا التي تخص الوطن حاضراً ومستقبلاً. فصل الراحل فى موقفه تجاه القوات المسلحة السودانية، وأعلن دعم الحزب اللامحدود لها، مطالباً بتوفير الاحتياجات اللازمة من تسليح متطور والتدريب المستدام وتمكين أفرادها من الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة ليؤدون دورهم بالصورة التي تليق بهم كقوة ضاربة في عالم مضطرب. وزير الإعلام والاتصالات السابق في الحكومة التي جاءت وفقاً لاتفاق نيفاشا، أبلى بلاءً حسناً مع حزب المؤتمر الوطني لمعاصرته إعلان مذكرة التوقيف بحق الرئيس عمر البشير من قبل محكمة الجنايات الدولية، و ظل ينافح في كل المواقع والمناسبات عن السيادة الوطنية وضرورة صيانتها، ليبرز ذلك جلياً عندما تدخل للتعديل على نص التوصية التي جاءت في البيان الختامي الصادر عن الدورة السابعة للمؤتمر الإسلامي لوزراء الإعلام والتي جاء فيها: «يقف المؤتمر بصلابة مع السودان في وجه الحملات الإعلامية المضادة، فيما يتعلق بموقف حكومة السودان الرامي لصيانة وحفظ وحدته واستقلاله»، ليستجيب رئيس الجلسة إياد مدني إلى مناقشة نص التوصية، واتفق المشاركون في المؤتمر على إضافة جملة «ورفض التدخل الأجنبي في شؤونه» إلى التوصية التي قال عنها الزهاوي عقب نهاية الجلسة الختامية وقراءة البيان الختامي، إنها قبل تعديلها كانت قاصرة ولا توضح ما هو المقصود منها، لافتاً إلى أن ما يستهدف السودان هو التدخل الأجنبي، وقال إذا لم يكن هذا واضحاً في التوصية فلا قيمة لها.وقال يجب أن تٌبحث هذه المسألة بشفافية وجرأة بعيداً عن المداراة. وقال إن التوصية بعد التعديل أصبحت مرضية إلى حد كبير. ابن إبراهيم مالك الذي جاهد في حزب الأمة مع من يحلو للأنصار بتسميتهم الأحباب، وكان كاتم الأسرار للمجموعة التي قادت العمل السري من الحزب ضد الإنقاذ حتى «تفلحون» تشبع بالروح الإصلاحية، فقاد مع مبارك الفاضل وآخرين حركة الإصلاح لتدفعه الروح ذاتها إلى مغادرة حزب مبارك وتأسيس حزبه الذي مازال ضمن أحزاب حكومة الوحدة الوطنية. ورغم هذه المحطات، من المؤكد أنه سيبقى من رموز العمل الطلابي في حزب الأمة بمختلف فصائلها، كما سيبقى من الأرقام التي لا يمكن تجاوزها في السودان، وفقاً لعبد الجليل الباشا لأخلاقه العالية وفعاله الحسنة.