حسن الجزولي مع محمد وردي في حوار ينشر لأول مرة (2-3): يجمعني ومحجوب شريف (نادٍ سياسي) وهموم وطنية مشتركة! غنانا الوطني كان يمكن أن يحقق ل(الشعب الأمريكي) الثورة الوطنية! الدوش شاعر (فلسفي).. وهؤلاء (...) هاجموا (يا بلدي يا حبوب)! حوار: حسن الجزولي *التقيت بمحمد المكي إبراهيم في أكثر من عمل ملحمي، أقصد من ناحية الأناشيد؟ محمد المكي شاعر أكتوبر الذي لا يبارى، وقدم قصائد ممتازة للثورة في ديوانه الجميل (أمتي)، فأنا غنيت ليهو نشيد (أكتوبر الأخضر)، وفيما بعد غنيت (جيلي أنا). * قدمتها بعد الانتفاضة؟ في الحقيقة قدمتها منفعلا بالنتيجة الصادمة في انتخابات الجمعية التأسيسية، وحصول الجبهة الإسلامية القومية وقتها على نسبة كبيرة من الأصوات دون وجه حق. * شفت شنو في كلمات القصيدة عشان تختار تقديمها عدا جميع القصائد الأخرى؟ كانت المعبر عن المرحلة وكرد بليغ يؤكد أن المستقبل للأجيال الجديدة مهما علا صوت الرجعية، ده اللي أنا شفتو في كلمات محمد المكي! * طيب خلينا نتناول نشيد (إنني أؤمن بالشعب). أهو ده برضو غنيتو في أعقاب الانتكاسة الواضحة لشعارات ثورة 21 أكتوبر والإجهاض اللي تم لأغلب مطالب الشارع، والاعتداء الصارخ على الديموقراطية من قبل الأحزاب التي تكالبت لجني الثمار وهي لم تساهم بصورة كبيرة في صناعة ثورة الشعب! * وصلاح أحمد إبراهيم وما أدراك ما صلاح؟! صلاح بالفعل علامة بارزة في خارطة الشعر السوداني، وسرني أن التقيته في نشيد (يا ثوار أكتوبر يا صناع المجد) وكانت احتفاءً عظيماً بثورة أكتوبر وفيها تمجيد كبير للثوار وللشعب السوداني. *دا إضافة لتجربتك الكبيرة معاهو في أغنية الطير المهاجر؟ الطير المهاجر بالمناسبة ممكن تقول عليها برضو إنها أغنية وطنية أكتر منها عاطفية، وصلاح مزج فيها بين حنين الشاعر للوطن ولواعج الحبيبة بشكل خلاني أشوف حلفا كموطن جوه القصيدة دي، وطبعاً درجات الانفعال مع شعر زي ده بتتفاوت من شخص لآخر، مش كده برضو؟ * نعم ما في شك؟ عشان كده صلاح كان شاعر ضخم وفخم، وقطعاً ساهم في تطوير القصيدة والشعر الغنائي عندنا في السودان. * وماذا عن قصة الراحل علي المك الشهيرة معاك بخصوص قصيدة الطير المهاجر؟ (ضاحكاً)، أيوه علي كان حابي عثمان حسين ومرر ليهو القصيدة عشان يغنيها، فلمن أنا غنيتها وسمع لحنها إتبشتن بشتة شديدة اليوم داك ومن ديك صاحبني، هو ذاتو قاعد بحكي القصة دي! * خلينا نقيف في تجربتك مع الشاعر مبارك بشير. مبارك من الشعراء المحدثين وتعاونت معاهو في نشيد قدمته عام 1981 بعنوان (عرس الفداء)، وأذكر من تجارب تلحيني للقصيدة أن أتاحت لي بعض أبياتها استلاف مقطع لحني لأغنية عازة في هواك وإدخاله في اللحن. * في تجارب الاستلاف في تركيبة الألحان، هل ممكن نشير برضو لتجربة الملحن ناجي القدسي في تلحين أغنية الساقية لعمر الدوش عندما طوّع نبرة الهتاف الجماهيري الشهير (السفاح السفاح، راس نميري مطلب شعبي).. لتخدم اللحن؟ نعم نعم ما في شك، وتوجد تجارب كبيرة في المعاني اللحنية دي، وتجدها برضو عند موسيقيين عالميين عظام، سوى أكانوا أوروبيين أو حتى شرقيين في مصر القريبة دي. * (بلدي يا حبوب) لو قلنا إنها أغنية وطنية برضو، أذكر أنها ووجهت بانتقادات كثيرة بخصوص بعض المفردات الواردة فيها؟ كانت زوبعة في فنجان، وبعض النقاد الصحفيين ضخموا الموضوع عبر أعمدتهم الصحفية، وكونو الشاعر يعبر بلغة ومفردات الشارع والحياة اليوماتي ما أعتقد إنو فيها تدني من ناحية الذائقة، والدليل إنو الناس استقبلوها وحالياً تردد وهو ما يعبر عن رضا وقبول المستمع لها دون أن تضجره كلماتها ونفس تجربة سيد أحمد الحردلو تجدها عند شاعر ضخم زي محجوب شريف مثلاً، وده أصلاً نوع الشعر بمضامينه الجديدة والمعبر عن قضايا الناس! * دائماً ما تتحدث عن محجوب شريف كمرحلة ومحطة كبيرة بالنسبة لك؟ نعم، قطعاً، وهي مرحلة تختلف من ناحية الثنائية التي جمعتني به عن محطات شعرية وتجارب أخرى زي الشاعرين إسماعيل حسن وإسحق الحلنقي مثلاً، لأن محطتي مع محجوب فكرية ويجمعنا نادٍ سياسي وهموم وطنية مشتركة، وكل ما كتبه محجوب وقدمته له أنا يعبر عن هذه المضامين، برضك تقدر تقول إنو شاعر زي عمر الدوش وبعض شعراء آخرين بدخلوا في هذا المضمون. * بمناسبة الدوش وأشعاره، في حوار صحفي سابق عبرت لي عن أغنية (بناديها) باعتبار أنها تدخل ضمن المفاهيم الجديدة في ربط الحبيبة بالوطن والوطن بالحبيبة كرمز ووصفت الدوش كشاعر فلسفي؟ نعم، وبناديها برضو أغنية تقدر تسميها فلسفية، والدوش في كتير من أشعارو أصلاً هو شاعر فلسفي! وموضوعة الحبيبة الوطن والوطن الحبيبة تلقاها عند كتير من الشعراء التقدميين سواء عندنا في السودان أو خارج السودان، وطبعاً خليل فرح هو المعبر عن المدرسة الرمزية دي وسط شعراء السودان. * يعني خليل فرح ممكن يدخل ضمن الشعراء التقدميين؟ ما في أدنى شك في التقييم ده، وأي ناقد أدبي أو دارس لشعر خليل فرح لا يمكن إلا أن يضع خليل فرح وشعر خليل فرح في خانة التقدم والتقدميين العظام! * من الشعراء التقدميين عندك أيضاً شاعر كعلي عبد القيوم وتعاونك معه في نشيد (رفاق الشهداء)؟ -قال بعد فترة صمت طويلة- علي من الشعراء الذين افتقدتهم حقيقة كصديق وكأخ، كان مثقفا من طراز فريد، وهو من المثقفين اللي تعرفت عليهم وصادقتهم من فترة الدراسة الجامعية، جمعتنا هموم وأمزجة مشتركة، جمعتنا أبادماك وكان هو من الطلائع التقدمية في حركة الطلاب، وكانت ليهو مواهب متعددة خلافاً للشعر. علي ساهم في النهضة المسرحية عن طريق النشاط المسرحي في جامعة الخرطوم، مع ناس النصيري في فترة الستينيات. * إنت برضو غنيت ليهو أغنية (بسيماتك) إلى جانب نشيد (رفاق الشهداء)؟ أيوة تمام، غنيت ليهو "بسيماتك تخلي الدنيا شمسية"، وهي أغنية عاطفية استخدمت فيها الطنبور على إيقاع الدليب رغم إنو التقديم غير مكتمل لسع وحابي أشتغل فيها شوية، ورفاق الشهداء قدمناهو في بدايات انقلاب مايو، بس في الفترة ديك ظهرت بدايات صراع مايو مع اليسار، عشان كده انحسر وما وجد فرصتو في الذيوع! * يا محمد بخصوص ذيوع وانتشار الأناشيد بالتحديد، مش برضو بتلاحظ إنو كتير من الأناشيد المعبرة حقيقة عن وجدان الشعب والناس بتتم عملية مصادرة ليها؟.. لاحظ في الأيام الأولى لانتفاضة مارس – أبريل كان الإعلام وبتوجيه من المجلس العسكري وفي محاولة "لتنفيس" شعارات الانتفاضة يقدم أناشيد رغم أنها بالفعل وطنية، لكنها لا تعبر عن ثورية المرحلة، حجبوا مثلاً أناشيدك وأكتوبريات محمد الأمين وأناشيد تانية زي (لن نحيد) للعطبراوي في حين أكثروا من بث نشيد (أنا سوداني) مثلاً، وأغنيات شعبية تراثية أخرى، ما هو القصد؟ ما إنت جاوبت في مدخل سؤالك نفسو، هي محاولة لتغبيش الوعي والمفاهيم، واللعب على هامش الأشياء!.. رغم إننا بنتعب لتقديم شعر جميل ورصين نرفع بيهو من الإدراك والحس الوطني للناس، (ثم أضاف ضاحكاً) يا حسن أنا دايماً بقول إنو الشعر الوطني الرصين القدمناهو ده لو غنيناهو للشعب الأمريكي، كان براهو حقق ليهم مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية! (نواصل الأسبوع القادم)