:: ومن مواقف الفرسان بالخليج.. في العام 1961، عندما حشد الرئيس العراقي عبدالكريم قاسم قواته على الحدود وهدد باجتياح دولة الكويت، ارسلت جامعة الدول العربية قوة عربية مشتركة ضمت كتيبة من القوات المسلحة السودانية للمشاركة في (صد الغزو).. وبعد انتهاء مهام القوات السودانية، اصطف الضباط والجنود في مطار الكويت ليستقلوا طائرتهم ويعودوا إلى ديارهم.. وهم بالصف، وبعد وداعهم، تقدم احد أمراء أسرة الصباح وسلم كل جندي ظرفا محشوا بالمال وبعض الهدايا.. قائد القوة السودانية اللواء أ.ح صديق الزيبق، إنتظر حتى انتهى سمو الأمير من توزيع (الظروف)..!! :: وبعد إنتهاء توزيع ظرف المال والهدايا، صاح اللواء صديق الزيبق بصوت جهير منبهاً ضباطه والجنود: (طابور صفا.. انتباه)، فانتبهوا وانتظموا واصطفوا كالبيان المرصوص.. ثم كان الأمر الآخر: (أرضاً ظرف)، اي على الضباط والجنود أن يضعوا الظروف على الأرض، فنفذوا الأمر ووضعوا الظروف على الأرض.. وصاح فيهم: (معتدل مارش)، فتحركوا صوب الطائرة تاركين خلفهم ظروف المال والهدايا على الأرض.. وعندما أصيب الجميع بالذهول من هول هذا الأمر القيادي الرافض لجنوده المال والهدايا، ودعهم اللواء صديق قائلاً: (لا شكر أو مال على الواجب، نحن لسنا مرتزقة)..!! :: هكذا كانت الرسالة الموثقة في ذاكرة أهل الكويت وقدامى المحاربين في القوات السودانية المسلحة، ولذلك لم يكن مدهشا أن تستعين دولة الكويت ببعض ضباط قواتنا المسلحة ليؤسسوا اول كلية حربية بالكويت.. وكثيرة هي مواقف وتضحيات (قواتنا المسلحة).. بدمائهم وعرقهم ونضالهم، جسدوا قيم الوفاء والفداء على أرض سيناء في العام 1973، أمام العدو الصهيوني.. وشكلوا درعاً منيعاً بجنوب لبنان -مع قوات الردع العربية- في مواجهة العدوان الصهيوني أيضاً.. وكذلك حركات التحرر الإفريقية، عن بكرة أبيها، كانت تستلهم عزيمتها وعقيدتها القتالية من (قواتنا المسلحة)..!! :: ومنذ العام 1955، عام ميلاد قوة دفاع السودان، وإلى عامنا هذا، إنهارت جيوش وتأكلت جيوش واستبدلت جيوش وتلاشت جيوش.. ولكن رغم أنف أطول حروب القارة التي كان شهدها السودان، ورغم أخطاء السياسة وساستها، ظلت قواتنا المسلحة ولاتزال (كما هي).. ولذلك، عندما يُلبي الجيش السوداني اليوم -بعزة ومنعة وقوة كما وصف البيان- نداء الواجب بالخليج مشاركاً مع التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية في عمليات (عاصفة الحزم)، فليس في الأمر عجب.. أي ما تلبية قواتنا المسلحة لهذا النداء العربي -جواً وبراً- إلا بعض دور قواتنا المسلحة المتوارث منذ تاريخ تلك التضحيات والمواقف البطولية.. ولهم النصر ثم عوداً عزيزاً إلى وطنهم بإذن العلي القدير..!! :: وسياسياً، أصابت الحكومة السودانية بإعلان هذا الموقف الداعم للسعودية وكل دول الخليج في حماية (أمن المنطقة)، وهو موقف يُعيد سياسة السودان الخارجية إلى (مسارها الصحيح)، وكانت قد ضلت المسار في السنوات الفائتة.. نعم، رب ضارة نافعة.. و(عاصفة الحزم)، كما هي تشكل نقطة تحول جديدة في العالم العربي لحد توحيد وتحريك جيوش العرب ضد (عدو واحد)، فهي أيضاً نقطة تحول جديدة في مسار سياسة السودان الخارجية.. لقد أحسنت الحكومة، وإن تُحسن أخيراً خير من ألا تحسن إطلاقاً..!!