تموج الساحة السياسية هذه الأيام بحراك سياسي واسع بالتظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات والتمردات والمذكرات فقد ظهرت فى الآونة الأخيرة ظاهرة جديدة كمذكرات الإسلاميين وداخل أحزاب الأتحادى والأمة ولم أرصد مذكرات معلنة داخل أحزاب المؤتمر الشعبي والشيوعي والحركات المسلحة لكن لا بد من مناقشات وحوارات داخلية فإذا لم يحدث فلن أندهش إذا سادت حالة بيات شتوي وجمود فكري وسياسي لهذه الأحزاب العقائدية. السودان كان أسبق الدول فى ثورات الربيع العربي( 1964 و 1985). نجحا إثر تفاعلات سياسية داخلية وخارجية وإخفاقات الأنظمة السلطوية فى إدارة الحكم والتنوع السوداني ونشوء وتوسع حركة المجتمع السياسي والمدني فى البلاد ومن المؤكد – كما دلت الوقائع – لم يأتيا عقب انتفاضة فكرية أو حوار واسع وحقيقي وشامل لتحليل الواقع السوداني وتكريس البديل المناسب سواء بين قوى المعارضة نفسها أو بين المعارضة والحكومات بل كانت جميعها مجرد تحالفات تكتيكية آنية سرعان ما تنتهي بانتهاء الأنظمة فكرست أزمة الثقة والتعصب الحزبي الضيق ودفع بالأوضاع السياسية للتدهور السريع وإخفاق حكومات ما بعد الثورات فى الممارسة الديمقراطية الرشيدة والاستقرار والنماء. لقد كان أكبر هم للأحزاب الحاكمة والمعارضة هو السلطة بأي وسيلة والمعارضة غير الموضوعية المكايدة والابتزاز بالشعارات واستغلال نشاط حركة التمرد وكلاهما لم يقدما أفكارا جديدة أو برامج متقدمة وحقيقية.. سادت الشعارات العقائدية والوطنية السطحية والمكايدات الحزبية والشخصية مكان العمل السياسي المسئول والإنتاج الفكري المعتدل فكانت الدورة السياسية الخبيثة.. لم توضع مناهج تعليمية صحيحة وفق متطلبات واحتياجات التطور المطلوب للتنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعلمية فأنتجت جيلنا الحالي الذى فشل أيضا كسابقه حاكمين ومعارضين ويحتاج الجيل القادم لمعجزة لنقله الى آفاق التقدم والممارسة السليمة خاصة السياسية. كما أن حركة التمرد لعبت دورا سالبا بإصرارها على المطالب التعجيزية ومحاربتها للجيش السوداني وأخافت الشماليين فأعطت حجة قوية للانقلاب. إن من أوضح مظاهر السطحية السياسي اليوم وعدم الاتعاظ بالماضي أن المعارضين والحاكمين على السواء عندما يقرأون أفكارا مستقلة عن رؤاهم لتناصحهم؛ لتجاوز إخفاقات الربيع السياسي السوداني في ثورتي 1964 و1985 يدعيان أن تلك الأفكار تصب فى مصلحة الآخر تماما كما يعلق علينا بعض مناضلي الأنترنت عندما نكتب.. المعارضون يريدون فقط شتيمة أهل الحكم وزوالهم ويقولون كما رددنا من قبل فى نظامي نوفمبر ومايو أن مجرد زوالهما سينصلح أمر السودان فحدث غير ذلك فعادت الانقلابات، وأهل الحكم يريودننا فقط أن نصدق ادعاءاتهم بأن كل شيء عال ولا داعي للتغيير!! الحل فى تقديري هو الانتفاضة ولكنها انتفاضة فى الفكر والضمائر أولا حتى إذا جاءت الانتفاضة السياسية – وهى آتية لاريب – إذا حدث الاحتقان برفض أهل الحكم النصائح وفضلوا التعصب والكنكشة الحالية دون إصلاح وتغيير حقيقي وليس تكتيكي وفق ما طالبت به المذكرات الحالية. وفى المقابل لا بد أن تمارس الأحزاب المعارضة الإصلاح الذاتي فهذه المرة لن يسمح لها الشعب السوداني الذى ضحى مرتين لتعود لنفس الممارسات وربما بنفس سلوكياتها وشخوصها السابقة.. لقد نشأ جيل جديد يمثل الغالبية الساحقة بديلا للأحزاب القديمة جميعها لا يقبل بالممارسات السابقة.إذا لم يحدث الحوار وانتفاضة فكرية وفى الضمائر فلات ساعة مندم. أنصح جميع أشقائنا المصريين أن يتعظوا بالتجربة السودانية الفاشلة عقب انتفاضة ابريل 1985 فلا يستعجلوا ويتعصبوا ويتخندقوا حتى لو لديهم الأغلبية وليجعلوا لهم معادلة مع الجيش المصري ففي السودان استعجلت الأحزاب السطة بعد الانتخابات وكونت حكومات هزيلة دون استراتيجيات وبرامج مناسبة ولم تجلس لتتفق على الثوابت الوطنية وأخلاقيات الممارسة السياسية ودخلوا جميعا فى نفق المكايدات ودفع الفواتير الخارجية وخداع حركة التمرد فعادت الانقلابات.