وقفت وقفة مستحقة عند سيرة الراحل العزيز الاستاذ محمد طه محمد أحمد وهي تتهادى بين فقرات كتاب الدكتور عبد المطلب صديق (الصحافة السودانية: صراع السلطة والمهنة)، وكانت وقفتي امام سيرته مشوبة بالحزن والحيرة. وربما كان من المناسب لأغراض هذه الحلقة أن أنقل نقلاً حرفياً بعض ما ورد في موارد التوثيق التي حملت اسمه. من ذلك: (انتقل الشهيد محمد طه من كاتب سياسي إلى صحافي ملتزم، وكانت قدرات محمد طه تؤهله لقيادة المؤسسة الوليدة، ولكن درايته بمهارات الصحافة لم تمكنه من المنافسة مع شباب الصحافيين). ثم: (.. وانتهى الصراع السياسي العنيف الذي نشب في كابينة القيادة بين محي الدين تيتاوي ومحمد طه.. وحمل رجال الأمن محمد طه إلى خارج دار الإعلام بغير رجعة، وهو الذي صنع من النجاحات ما ندر تحقيقه في ذلك الزمان). لا أعرف إن كان المغفور له محمد طه محمد أحمد قد ظلم نفسه، ام أن قومه هم الذين ظلموه. ارتبط الراحل بالحركة الاسلامية وكان من أقمارها الساطعة، لا سيما في سوح التعليم العالي والصحافة. ولكن الرجل كان متمرداً بالأصالة، كثير النقد لما حوله ومن حوله، ثم انه كان شديد الاعتداد بنفسه. في مرحلة دراسته بجامعة الخرطوم قرر التنظيم، وقرار التنظيم لا يُعلى عليه ولا يخضع للنقاش، في إطار مسعى مدروس لتزيين صورة الحركة الاسلامية في أعين الشباب، وتأكيد اهتمامها بدور المرأة، قرر ترشيح طالبة في انتخابات رابطة طلاب كلية القانون. ولكن محمد طه اعترض على القرار، بل ولم يأبه له، فرشح نفسه في مواجهة الطالبة التي انتدبتها حركته ورشحتها للموقع! وبرغم أن الثقافة كانت على رأس اهتماماته الأكثر أصالة وميدانه الأول، إلا أن صلته بالسكرتارية الثقافية لحركته الاسلامية، ولاتحاد طلاب الجامعة، ظلت دوماً في أسوأ حالاتها. وكان على سدة النشاط الثقافي آنذاك طلاب من سنخ (دكتور الوثبات) سيد الخطيب، و(الدكتور المتمرد) جبريل ابراهيم، وحبيبنا، نزيل واشنطن، سيف الدين عمر. وقد غضب طه ذات مرة عند اول التحاقه بالجامعة غضبةً مضرية على رفقائه الذين تولوا الاشراف على مجلة (الجامعة) التي كانت يصدرها اتحاد طلاب جامعة الخرطوم، لتلكؤهم في نشر مادة تخصه، فشن حرباً شعواء على تلك المجلة، ووصفها ووصف المشرفين عليها من رفقائه الاسلامويين بالجهل، وأنهم أقل قيمة وأقصر قامة من أن تكون اعماله محلاً لتقويمهم. وكان رده عند ذلك الموقف المستهتر بالمؤسسية التنظيمية أن قرر اصدار صحيفة خاصه به حملت اسم (أشواك)، وظل يصدرها بصبر ومثابرة حتى تخرجه. ولم تكن تجربة التحاق طه بصحيفة (الراية)، الناطقة بلسان الجبهة الاسلامية القومية، عقب انتفاضة رجب-أبريل عام 1985 وعمله ضمن طاقمها بأقل توتراً وضجيجاً. بل أن معاركه بين جدرانها بلغت مبالغ العراك الجسدي والضرب بالأيدي. وقد كلفت قيادة الجبهة الاسلامية ذات مرة المغفور له الاستاذ أحمد سليمان عضو مكتبها السياسي، بالتحقيق في أمر نزاع بين الكادرات الصحفية العاملة في تلك الصحيفة، كان الراحل طرفاً أساسياً فيه. وقد خلص التحقيق إلى نتائج لم تكن في صالح طه، وإن كان الاستاذ أحمد سليمان قد عمد لاحقاً إلى رد اعتباره من خلال تدابير رضائية. ولكن الغبن والخذلان الأكبر لحق بالراحل من جراء تقاعس الشيخ الترابي عن نجدته عندما استنصره بغير طائل في معاركه الصحافية أوائل عهد الانقاذ. وقد بلغت به المرارة والحنق كل مبلغ عندما أتته الأخبار أن الشيخ يصفه في مجالسه الخاصة بالخبال واختلال العقل. كانت للرجل، بغير شك، موجدة على قومه وحزبه، وأى موجدة. ولم يكن محمد طه ممن يخفون في انفسهم ما الله مبديه. وقد صرح لي ذات مرة في صدر التسعينيات، أنه كان يطمح إلى أن يلقى اسمه ضمن مرشحي الجبهة الاسلامية القومية في دوائر الخريجين في انتخابات 1986، لولا النفوس وأهواؤها. وهو طموح انظر بعيني إلى الماضي وأجده في كمال المشروعية، فقد بذل طه في نصرة حركته الاسلامية واعلاء راياتها في دوائر الخريجين، حتى اصبح اسمه علماً على رأسه نار، ما لم يبذله غيره. رحم الله محمد طه محمد أحمد.أثقل على نفسه، وأثقل عليه قومه. وكأن ذلك لم يكن كافياً، فأتى الدكتور عبد المطلب صديق ليزيد من أثقال الحديد على صدر الشهيد، وعلى صدور أصدقائه وأحبابه. مصطفى عبد العزيز البطل هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته