"تشرفت بحمل جواز سفر دبلوماسي سوداني، وتنقلت به في دول شتى"، هكذا فاجأ زعيم حركة النهضة الإسلامي راشد الغنوشي السودانيين إبان زيارته للخرطوم في مارس 2011. وفي الأيام الماضية، احتدم الجدل بين وزارتي الداخلية والخارجية بشأن مهمة إصداره قبل أن يُحسم الجدل لصالح الأخيرة. الأمر لم يتوقف عند الغنوشي فقط، بل أيضا أثار منح اللاعب السوداني هيثم الجواز ذا اللون "الأحمر" بعد اختياره سفيراً لبرنامج القرى الصديقة وهي منظمة طوعية مقرها النمسا، البعض ذهب إلى أن معظم قادة التحرر الذين كانوا في السودان قد مُنحوا هذا الجواز منهم الزعيم الجنوب أفريقي نلسون مانديلا وثامبو أمبيكي؛ لذا فهناك سؤال موضوعي يطرح نفسه عن الشروط والضوابط التي بموجبها يتحصل أي "شخص" على الجواز الدبلوماسي. ووفقاً للأمر الوارد بالجواز فإنه "يطلب السيد وزير الخارجية بجمهورية السودان من جميع أصحاب الاختصاص أن يسمح لحامل هذا الجواز بحرية المرور مع تذليل أية صعوبة وحماية يحتاج إليها"، هذه العبارة تكتب في الصفحة الثالثة من الجواز الدبلوماسي لحامله، والذي قصد منه في الأساس تسهيل عمل الدبلوماسيين وشاغلي المناصب من الدستوريين خلافاً للجواز العادي الذي يواجه في أحياناً كثيرة العديد من "التعقيدات". ورغم الميزات التي يقدمها الجواز الدبلوماسي والتسهيلات، إلا أن دبلوماسيين يقولون إن الجواز الدبلوماسي أكثر "حساسية" من غيره. ويقول دبلوماسي رفيع فضل حجب اسمه ل(السوداني) إنه ووفقاً للوائح والتشريعات لمعمول بها، فإن "مستحق" الجواز الدبلوماسي يتقدم بطلب رسمياً لصلاحيات وزير الخارجية أو من ينوب عنه من خلال إدارة المراسيم والتشريفات بالوزارة وبعد الموافقة على طلبه وبعد التأكيد على تلك المعلومات من قبل وزارة الداخلية والأمن، ويواصل بأن وزير الخارجية أو من يفوضه يقوم بالتوقيع على الغلاف الداخلي للصفحة الأولى من جواز فيما يوقع مدير عام الجوازات بوزارة الداخلية والأمن الوطني بالتوقيع، ويوضع الختم على الصفحة الثالثة منه، كما أن لرئيس الجمهورية الحق في حالات خاصة منح جواز السفر الدبلوماسي لأي شخص من غير المنصوص عليهم بجانب رئيس الوزراء بناءً على تنسيب من وزير الخارجية أو وزير الداخلية والأمن، ويتم منحه أيضاً لشاغلي المناصب الرسمية الوزراء والولاة وكبار الضباط والوحدات المختلفة ذات الصلة به من رتبة لواء فما فوق، ورؤساء اللجان في البرلمان والشخصيات المرموقة وقضاة المحكمة العليا والدستورية وأهل العطاء الذين يتم منحهم الجواز الدبلوماسي وفقاً لقرار صادر عن رئيس الجمهورية أو وزير الخارجية الوطني وله الحق في استرداده في أي وقت. ويمنح جواز سفر دبلوماسي مستقل لزوج حامل جواز السفر الدبلوماسي، موضحاً أن جواز السفر الدبلوماسي يسترد بعد زوال "الصفة" التي تم إصداره من أجلها؛ أيضاً الضوابط تشمل الإداريين والمحاسبين بالوزارة بعد عودتهم من المحطات الخارجية، ويشير إلى أن مدة الجواز الدبلوماسي "خمس" سنوات، ويستخرج لدبلوماسيين حين سفرهم إلى الخارج، وطبعاً مدتهم في المحطات الخارجية "أربع"، سنوات وحين تنتهي المدة لا يجدد إلا وفق سبب مقنع وموضوعي كذلك يستخرج لأبنائهم حتى سن الثامنة عشرة. انفلات وجوطة ويمضي ذات السفير إلى أن السنوات الماضية شهدت انضباطاً في منح الجوازات الدبلوماسية، إذ إنه في منتصف الستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم، منح الجواز الدبلوماسي لمعظم قادة التحرر في أفريقيا ممن كانوا في السودان على رأسهم الرئيس الجنوب أفريقي الراحل "نيلسون مانديلا" وثامبو أمبيكي، فيما يقول إن فترة نميري شهدت انفلاتاً و"جاطت" الحكاية أيام الديمقراطية والانتفاضة. وبقدوم الحكومة الحالية في 1989م، أصبح يمنح حتى لغير السودانيين، "الغنوشي" مثلاً، لكنه يؤكد على "التقنيين" منحه في وقت ظهر فيه تعسف من قبل وزارة الخارجية تجاه من يستحقونه، لكنه ينبه بوجود حاجة ملحة لإجراء مراجعات، ويضيف أن سلطات وزير الخارجية بموافقة وزير المالية أيضاً تمنحه الحق في فرض رسوم إصدار وتجديد الجواز الدبلوماسي كما أنه هو من يحدد فترة صلاحية الجواز. منح التأشيرة إن حامل الجواز الدبلوماسي لا يمكنه أخذ التأشيرة إلا من وزارة الخارجية، ولا يمكن لأي جهة أن تقوم بعمل تأشيرة على الجواز الدبلوماسي، وفي حالة ظرف طارئ يتم أخذ خطاب من السفير المناوب بالوزارة، حتى يتمكن من أخذ التأشيرة، مثلاً في المطار، وحول إمكانية سحب الجواز الدبلوماسي يوضح ذات الدبلوماسي أنه حق أصيل لوزير الخارجية ومن ضمن صلاحياته، إذ إنه من حقه رفض إصدار الجواز أو سحبه أو إلغاؤه، وذلك في حالة أن حامله لم يعد "لائقاً" أو "جديراً" بحمله، وفي حال سحبه فإنه يتوجب على حامل الجواز تسليمه فوراً إلى وزارة الخارجية بغرض إتلافه. سحب تكتيكي ويشير محدثي إلى أن الوزارة عادة ما تسحب الجواز الدبلوماسي بطريقة ذكية جداً، وهي بالامتناع عن تجديده عندما تنتهي مدة سريانه، ويكشف أنه قد سبق أن سحب الجواز الدبلوماسي ممن أدينوا في جرائم جنائية، وليس ذلك فحسب، بل فقدوا وظائفهم، كما تم سحب الجواز من السفراء والدبلوماسيين الذين طلبوا حق اللجوء في بلدان أجنبية. الخارجية "تكسب" "الأحمر" صراع علني كان مسرحه قبة البرلمان بدأ منذ العام 2012 عندما أجاز النواب بنداً سحبت بموجبه سلطة إصدار الجواز الدبلوماسي من وزارة الخارجية لصالح وزارة الداخلية وأصبح حصرياً عليها، وأبقى مشروع قانون جوازات السفر والهجرة لسنة 2012 لوزارة الخارجية سلطة تصديق الجوازات فقط، وقد أثار القرار الأخير الخاص بتحويل صلاحيات وزارة الخارجية إلى الداخلية وانحصار صلاحياتها في التوقيع والتوثيق ردود أفعال واسعة حول أحقية كل طرف بإصدار وثيقة الجواز الدبلوماسي، إلا أن وقوف "القصر" مع الخارجية أعاد إليها الجواز "الأحمر" مرة أخرى، استناداً على العرف الدبلوماسي، ومعاهدة فيينا للعلاقات الدبلوماسية للعام. ويوضح دبلوماسي في حديثه ل(السوداني) أن اختصاص وزارة الخارجية إصدار ثلاثة جوازات وهي: (الدبلوماسي، والخاص، والجواز لمهمة)، وهي حق أصيل لوزير الخارجية على أن تكون جهة الإصدار لكل أنواع الجوازات وزارة الداخلية، والمقصود بجهة الإصدار الجهة التي تمارس العمل الفني المتعلق بطباعة كتيب الجواز وتعبئته وحفظ سجلاته. وتاريخياً كانت وزارة الداخلية تقوم بإلحاق وحدة من الجوازات بوزارة الخارجية، حيث تقوم هذه الوحدة بعمليات فنية بحتة متعلقة بأنواع الجوازات الثلاثة تحت الإشراف الكامل لوزارة الخارجية. يواصل ذات السفير أنه وفي القانون الجديد اقترحت وزارة الخارجية أن تكون لها سلطتا التصديق والإصدار، أي أن تقوم وزارة الخارجية بكل العمل المتعلق بأنواع الجوازات الثلاثة.