لا ينكر أحد ان التعدين الاهلي للذهب أو(العشوائي) هو الذي اعطى معنى وطعما لوزارة المعادن المنشطرة من وزارة الطاقة والتعدين، لتصبح اليوم وزارة يشار اليها بالبنان وتطمع منها الحكومة ان تسهم في سد فروقات الايرادات التي خلفها فقدان النفط، ومساعدة بنك السودان في توفير احتياطي محترم من النقد الاجنبي، أو مخزون مقدر من الذهب نفسه، وهو اثمن النقود وتعاير عليه نقود العالم.. وان كان هناك حديث سري أن البترول لم يستفد منه المواطن في قفة ملاحه فان الذهب استفادت منه أي أسرة سودانية. إن فضل زيادة إنتاج الذهب من النشاط التقليدي لم يكن من بنات أفكار خبراء الجيولوجيا، ولا برنامج تنفيذي أعدته وزارة المعادن أو أي وزارة اقتصادية أخرى، وإنما هو من أفكار وتنفيذ أفراد بسطاء لا يعرفون التنظير ولا السياسات الحكومية، بقدر ما يعرفون العمل وحجم العائد منه، وتوسعوا في التنقيب التقليدي وطوروا أنفسهم واستجلبوا أجهزة كاسحات الالغام أو كاشفات المعادن، ونجحت تجربتهم، ثم توسع الاستخدام بنقل المعرفة الشفاهية، والممارسة العملية، حتى أصبح هذا القطاع يستوعب أكبر عمالة في البلاد، ونهضت أسر كثيرة وفارقت حالة الفقر، ورفع همم الشباب من الاحباط فشدوا الاحزمة فذهبوا إلى الخلاء واحدثوا هذا الحراك فالتحية لاولئك الاوائل الذين شقوا هذا الطريق وفتحوه لكل من يهم للعمل ويسعى للكسب من عمل يده، من غير أن تسجل لهم أي جهة براعة اختراع. الدليل على ما أقوله أن خبراء الجيلوجيا، وخريجي الجيولوجيا على حالهم، فيما الذين ذهبوا للتنقيب كفاحاً بلا معارف جيلوجية تذكر صارت اوضاعهم الاقتصادية في احسن حال، ولم يكن للخبراء أي مساعدات لهم، غير تلك الصيحات التي تنادي بتنظيم ممارسة هذا النشاط، والتحذير المخاطر التي يواجهها المعدنون، فأي مخاطر هي أكبر من أن يذهب الشباب ليموتون في حروباً لا عائد منها سوى إضعاف هذا البلد اقتصادياً.. والشاهد العملي الآخر هو تجربة مدير عام بنك امدرمان الوطني عبدالرحمن حسن عبد الرحمن هاشم التي أفصح عنها في الاجتماع الاول للمجلس الاستشاري لوزارة المعادن الذي انعقد أمس الأحد برئاسة وزيرها كمال عبد اللطيف وتشرفنا بحضوره، بقوله (إن هؤلاء لم يأخذوا تمويلاً من بنك، ورفدوا موازنة الدولة باكثر من (1.1) مليار جنيه في العام 2011م، وزيادة متوقعه بنسبة (40%)، فلذلك لا نرى لهم من سلبيات بل من واجب الدولة توفير الخدمات لهم، ومقابل ذلك يمكن تنظيمها)، وهو الحديث الذي أردت أن أقوله في الاجتماع، ولم تتح لي الفرصة، ولكن مدير بنك أمدرمان الوطني أشفى غليلي وأخرج ما في صدري، فللمرة المليون أقول إن هذا التعدين هو وراء الاستقرار النسبي في دارفور بعد أن كان الشباب وقوداً للحرب، فلا مرحباً بأي إجراء يحجم من هذا النشاط.