أكملت الثورة المصرية عامها الأول وهي فترة زمنية غير كافية لتبلور مشروع التغيير الذي اندلعت الثورة من أجله، حفل العام بتطورات وأحداث ربما تؤشر وتمهد لمصر المستقبل إذا نجح المصريون في إدارة الثورة والسير بها إلى غاياتها. تحد كبير ينتظر القوى السياسية المصرية، حتى الساعة لم تكتمل عملية نقل السلطة إلى المدنيين، المجلس العسكري هو الحاكم القابض على مقاليد الأمور، ينتظر اكتمال عملية نقل السلطة بانتخاب رئيس الجمهورية قبل يونيو المقبل، خطوات لن تمضي بسلاسة يقول بعض المراقبون انطلاقا من تباين مواقف وخطابات الأحزاب وعلاقتها بالمجلس العسكري وما يشاع عن محاولته انتخاب رئيس محسوب عليه وتزويده بصلاحيات كبيرة قد لا تختلف عن ما تمتع به الرؤساء من صلاحيات في دستوري 1971 و1954. هناك من يتحدث عن صفقة بين الإخوان المسلمين والمجلس العسكري، يترك بموجبها البرلمان وربما تشكيل الحكومة وهذا غير واضح إلى الآن للإخوان فيما يترك أمر الرئاسة للعسكر، بمعنى أن لا يرشح الإخوان أحدا للرئاسة وأن تذهب أصواتهم للمرشح المتفق عليه، هذا ما يشاع لكن الإخوان أعلنوا أنهم لن يسموا مرشحا للرئاسة. واقع الثورة المصرية كشف عن بون شاسع في المكاسب والتضحيات، الشباب الذين فجروا الثورة ودفعوا الغالي والرخيص لإنجاحها خرجوا من الانتخابات صفر اليدين، هؤلاء بالتحديد يصعب تحييدهم أو ضمان سكوتهم في حال تيقنوا من انحراف المسار، خبرتهم في تنظيم التظاهرات والاعتصامات لا يستهان بها، أضف إلى ذلك امتدادات مناصريهم في الإعلام والطبقة المتعلمة ومنظمات المجتمع المدني. فاز الإسلاميون بنحو سبعين في المئة من مقاعد البرلمان، مع الإشارة إلى الاختلافات بين الإخوان والسلفيين، يدرك الإخوان حجم العبء الذي سيشكله السلفيون على أداء البرلمان وقد بدا ذلك منذ الجلسة الإجرائية ونص أداء اليمين الدستورية، فكل الدلائل تشير لطرح السلفيين نقاشات ومشاريع قوانين في مجالات يتعمال معها الإخوان بقدر عال من التكتيك والأيام ستكشف ذلك. خريطة التحالفات السياسية المتوقعة تظل رهينة بقدرتها على لجم حدة الاستقطابات في الساحة السياسية المصرية، فالممارسة الديمقراطية خاصة احترام الرأي والرأي الآخر لم تترسخ بعد في التربة المصرية، حتى وإن تغيرت مصادر الشرعية في النظام السياسي المصري وباتت الكتلة الشعبية العريضة هي المصدر وبالتالي فإمكانية تجنيدها وتعبئتها ضد التيارات الليبرالية والشبابية الثورية واردة بحجج مختلفة. وقد تابعنا كيف أن تجار ميدان التحرير هاجموا المتظاهرين بحجة الإضرار بمصالحهم التجارية وننوه هنا إلى مركزية مفهوم "أكل العيش" في الثقافة الشعبية المصرية، إذن أهم عامل يمكن الثورة من تحقيق أهدافها هو التوافق حول برنامج وطني واضح الملامح، ومراعاة الحساسيات الطائفية والدينية والحياتية أي أسلوب الحياة المتوارث لدى أفراد الطبقة الوسطى على الأقل، إنجاح الثورات أصعب من تفجيرها وهذا التحدي الأبرز أمام المصريين كافة.