إبعاد الأستاذ الفرنسي..تداعيات لا تنتهي تقرير: لينا يعقوب لازالت قصة إبعاد أستاذ اللغة الفرنسية "توماس لاميرو" من السودان، تأخذ حيزا واهتماما واسعا وسط طلاب المركز الثقافي الفرنسي، خاصة أولئك الذين كانوا حضورا في حصة المخاطبة والتي استخدم فيها الأستاذ تلك الصورة المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم.. عشرون طالبا من المستوى الثامن والتاسع تباينت آراؤهم بين رافض ومعارض لقرار إبعاد الأستاذ من المركز ناهيك عن السودان – وهم الأغلبية – وبين آخر يرى أن الأستاذ أخطأ ووجب العقاب – وهم الأقلية –. الطالب خالد السماني، مقدم المذكرة الاحتجاجية لمدير المركز الثقافي الفرنسي، حاولت (السوداني) الاتصال به مرات كثيرة، لكنه أبى أن يجيب، غير أنه بدل رأيه بعد أن نشرت الصحيفة تقريرا حول الحادثة، قائلا: "كان الاتفاق أن يكون الحل داخليا وألا نلجأ لوسائل الإعلام، لكن طالما تحدثوا سأتحدث". زملاء خالد السماني الذين تحدثت معهم (السوداني) اعتبروا أن قرار كتابة المذكرة كان فرديا أو ثنائيا إن جاز التعبير، متهمين خالد أنه لم يحتج خلال المحاضرة حول الموضوع بعد أن استأذنهم الأستاذ، وقالوا إنهم لم يعتصموا احتجاجا على التصرف إنما اعتصموا عن دخول الصف مطالبين المركز بإعادة الأستاذ الذي لم تبدر منه إساءة بعد أن استأذن الطلاب واكتفى بالتعليق حول الموضوع "إن فرنسا تعتبر السخرية من الأديان ضمن حرية التعبير".. وبعد أن قرأ خالد ما ذكره زملاؤه أكد أن هناك ما يجب توضيحه، وقال ل(السوداني) إن الأستاذ توماس لاميرو، استأذن الفصل حول مناقشة موضوع "حرية التعبير" لكنه لم يستأذن الطلاب على الإطلاق بتوزيع الصورة المسيئة للرسول الكريم عليهم، مضيفا أنه بعد مرور أكثر من أربعين دقيقة من زمن المحاضرة لم يكن معظم الطلبة يفهمون ماذا تعني الصورة ومن هو المقصود منها، وهو ما دعا الأستاذ للتأكيد أن الموضوع مطروح للنقاش فقط من ناحية حرية التعبير وليس من ناحية دينية.. وأوضح أنه كتب المذكرة الاحتجاجية إلى مدير المركز لعدم استئذان الأستاذ في توزيع الصورة المسيئة مطالبا في مذكرته بأربعة أشياء، فتح تحقيق حول الموضوع، اعتراف الأستاذ بارتكابه خطأ كبيرا، الاعتذار الرسمي من الأستاذ ومدير المركز، التعهد بعدم تكرار مثل هذا الخطأ وكتابة الاعتذار في (البورد)، وهو ما حدث. واعتبر خالد أن الأستاذ تعدى حدود النقاش وحرية التعبير بتوزيع الصورة، وكشف عقب تقديمه المذكرة عن اجتماع التأم بينه وطالب آخر مع مدير المركز إيمانويل لا براند، والأستاذ المعني توماس لاميرو، والسفير الفرنسي باتريك نيكولوزو، اعترف خلالها الأستاذ أنه قام بتوزيع الصورة على الطلبة دون استئذان، وبعدها أقر مدير المركز والسفير أن ما ارتكبه لاميرو كان خطأ، وقال خالد: "بعد أن تحققت مطالبنا الأربعة لم يكن هناك داع من اللجوء لوسيلة أخرى" وأكد أنه لم يطالب بإيقاف الأستاذ من التدريس بالمركز أو إبعاده إلى خارج السودان قائلا: "المسألة كانت فرنسية داخلية بحتة". وحول اتهامه بالمشاركة في النقاش ولم يعترض على الأمر أثناء المحاضرة، أقر خالد أنه لم يعترض إلا أن عدم اعتراضه لا يعني قبوله ماحدث، وقال: "أنا تربيت في أمريكا ودرست في انجلترا، وأعلم تماما الطريقة التي يفكر بها الغرب والتي تتمثل بتقديم احتجاج أو شكوى رسمية على ما حدث"، مضيفا أنه في حال ناقشه خلال الحصة يمكن أن يتهم بفعل تصرف غير مقبول لذا تعامل مع الموضوع بشكل هادئ ولائق. الصورة المسيئة: الأستاذ توماس لاميرو وزع على طلبته أثناء المحاضرة صورة نشرتها مجلة شارلي ايبدو الأسبوعية الفرنسية قبل ثلاثة أشهر، وتُظهر الصورة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم باعتباره رئيس تحرير موردة على لسانه تعليقات أثارت حفيظة كافة المسلمين، واعتبرت الجالية المسلمة في فرنسا حينها أن المجلة أرادت استفزاز مشاعرهم حينما أعدت عددا خاصا بعد فوز حركة النهضة التونسية وتصريحات رئيس المجلس الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل عن اعتماد الشريعة الإسلامية مصدرا أساسيا للتشريع في ليبيا بعد موت القذافي.. ورأت الجالية أن المجلة أخطأت لأنها تعرف جيدا أنه لا يسمح برسم الرسول الكريم بأي شكل من الأشكال وتقويله أشياء تتجاوز حدود الحديث النبوي الشريف.. إلا أن مدير تحرير المجلة اعتبر أن من حقه رسم من يشاء باسم "حرية التعبير"!. لكن مقر المجلة تعرض لحريق مفتعل بإلقاء زجاجة مولوتوف، ورغم أن الحريق دمر النظام المعلوماتي في المجلة إلا أنه لم يحدث إصابات بشرية ومع ذلك أثارت المسألة ردود أفعال عنيفة ومتباينة في فرنسا. الخبير الإعلامي الأستاذ عبد الملك النعيم، قطع بأنه لا توجد حرية تعبير تعطي الحق لأي أحد بالإساءة لديانة الآخر، وأكد في حديث ل(السوداني) أن كثيراً من الأشياء التي تبدو كأنها تحدث بصورة عفوية لا تكون كذلك وقال: "طالما الوسط الذي أمام الأستاذ الفرنسي هو وسط مسلم فكان بإمكانه أخذ قضية لا تكون مثار خلاف أو نزاع"، مشيرا إلى وجود مواضيع كثيرة لا تستفز الآخر في هويته أو عقيدته واعتبر أن بعض الغربيين يحبون تمرير أجندتهم في أشياء يبدو ظاهرها مقبولا إلا أنها ليست عفوية أو من قبيل الصدفة.