ما كان لواقعة طرد مدرس اللغة الفرنسية بالمركز الثقافي الفرنسي الذي وزّع صورة مسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم أن تمر بدون تعليق منا فقد كشف الحادث عن عدّة أمور تحتاج إلى أن نتوقف عندها باعتبارها أمراً يتعلق بعقيدة الأمة التي تُبذل في سبيلها الدِّماء ويهون في سبيلها كلُّ شيء. أصل القصة يمكن تلخيصُه في أن مدرِّس اللغة الفرنسية بالمركز الثقافي الفرنسي توماس لاميرو حسب صحيفة «السوداني» عرض على طلابه صورة كاريكاتيرية نُشرت قبل عدة أشهر في إحدى الصحف الفرنسية.. عرض صورة مسيئة للرسول الكريم وسأل الطلاب هل تعتبرون ذلك من حرية التعبير فأجابوا بأنهم يرون أن ذلك يسيء إلى رسولهم فقال لهم «إن فرنسا تعتبر من ضمن حرياتها السخرية من الأديان»!! الطبيب خالد السماني الذي كان من بين الطلاب قام بكتابة مذكرة رصينة لمدير المركز الثقافي الفرنسي أوضح له ملابسات ما حدث فما كان من مدير المركز إلا أن انزعج للحادثة واتصل على الفور بالسفارة الفرنسية التي قامت بإبعاد الرجل من السودان. أولاً يُحمد للسفارة ولإدارة المركز الثقافي تحرُّكها السريع بإيقاف هذا المدرس المستهتر من التدريس ثم إبعاده ولا أشك في أن للرجل علاقة بأجهزة الاستخبارات التي في ظني تحاول أن تدرس درجة حساسية المجتمع السوداني وتسْبر غوره وتعلم مدى انفعاله بدينه وذلك حديث يطول فبمثل هذه الدراسات تُرسم السياسات وتُعد المناهج التعليمية ويمهَّد للغزو الثقافي. مدير المركز قال للصحيفة التي أعدّت التقرير إنه لا توجد ضوابط داخلية في المركز فيما يتعلق بشكل التدريس أو الوسائل المستخدَمة وأتساءل من الذي يرسم السياسات ويحدِّد الضوابط التي تعمل بها هذه المراكز وهل تترك وزارة الثقافة هذه المراكز تعمل بلا رقابة أو ضوابط تحدِّد ما يجوز لها وما لا يجوز مما يتعارض مع ثوابت الأمة وعقائدها؟! المدرس الفرنسي المبعد كذب حين أوحى لطلابه وهو يدس السم في الدسم أن فرنسا تبيح كل شيء في إطار حرية التعبير بما في ذلك الإساءة إلى الأديان وهو يعلم أنه يكذب ويتحرّى الكذب فهل يُباح في صحافتهم أن تُعادَى السامية أو تُهاجَم إسرائيل أو يشكَّك في المحرقة النازية بل هل يُباح الحجاب في مدارس فرنسا أو الصلاة في الساحات العامة؟ انني لأطلب من صديقي وزير الثقافة السموأل خلف الله أن يضع ضوابط لعمل المراكز الثقافية الأجنبية بل حتى مراكز بني علمان التي يتحدث فيها أتباع الدجال محمود محمد طه الذي أُقيم مركز باسمه يُساء فيه إلى الإسلام ويُدعى فيه إلى الفكر الجمهوري المعادي لله ورسوله كما أرجو من وزارة التعليم العام ووزارة التعليم العالي وضع ضوابط للمدارس الأجنبية الخاصة وكلنا يذكر قصة الإساءة إلى الرسول الكريم في مدرسة الاتحاد التي أُبعدت بسببها تلك المُدرِّسة الإنجليزية وجاء إبعادها بسبب قصة شبيهة بتلك التي أدت إلى إبعاد المدرس الفرنسي، وما يطفح ويُكشف عنه قليل جداً من كثير يُدس في عقول أبنائنا وآباؤهم عنهم غافلون لا يدرون ما يُفعل بفلذات أكبادهم. المقال التالي كتبه الأخ عبد المحمود الكرنكي الذي يُتحفنا يومياً بمقال في «الإنتباهة» صفحة «7» أردت بإعادة نشر هذا المقال الذي ورد «في «ألوان» قبل أن يغادرها الكرنكي أمرين: أولهما أن أنبه إلى أن الكرنكي موجود معنا فلا تفوِّتوا فرصة الاستمتاع بما يكتب وثانيهما أن ألفت النظر إلى ما أورده من تحسُّر على بلاد تمارس الانتحار يومياً!! إن شاء الله مضمونين بالنبيّ مشروع الجزيرة في حالة احتضار. مات سريرياً. الذين أوصلوا المشروع إلى هذا القاع في أمن وأمان، لا محاسبة أو مراجعة. كأنما المشروع الذي بلغت روحه الحلقوم وأُغلقت محالجه وبيعت خطوطه الحديدية باعتبارها حديد خردة، ومن المنتظر إعلان وفاته في أي لحظة، كأنما ليس هناك بشر مسؤولون عن ذلك الضياع. كأن الذي أصابه نتج عن كارثة طبيعية، زلزال أو بركان، وليس خطأ من صنع إنسان. الذين دمروا مشروع الجزيرة كيف ولماذا أمِنوا الحساب والمساءلة؟. تقارير المراجع العام في كل عام تعلن عن ضياع البلايين، دون أن يعقب ذلك تحقيقات عدلية واستجواب ومحاكمات واسترداد فوري. كأن الذين نهبوا البلايين من عالم الجن، وليسوا من عالم الإنس. كأنما الذين نهبوا البلايين ليسوا بشراً بلحمهم ودمهم، لهم أسماء وعناوين وحسابات مصرفية وجواز سفر ورقم وطني. هل الذين نهبوا ما أوضحته تقارير المراجع العام أمِنوا المساءلة، أم أن لهم «طاقية إخفاء» يستحيل معها القبض عليهم، واقتيادهم إلى ساحة العدالة؟. كيف ولماذا أفلتوا ويفلتون من الحساب. «سودانير» التي انطلقت في الأجواء منذ عام 1948م، بعد سمعة ذهبية وكفاءة في الطيران، أصبحت في العناية المكثفة. الذين كسروا أجنحتها وقصموا ظهرها بشراكة «عارف»، وقادوها إلى مرحلة التفت السّاق بالسّاق، ما تزال براءة الأطفال في عيونهم، لا سؤال ولا جواب ولا عتاب أو ملام. هل تراهم أمِنوا الحساب والمساءلة؟. الشعب يريد معرفة أسماء المسؤولين الذين هدموا مجد «سودانير»، ويريد معرفة تفاصيل دور كل واحد منهم، فما هم بكائنات خفيّة. لو صنعوا لها مجداً، لكانوا يغدون ويروحون في كل صحيفة وتلفزيون وإذاعة ووسام ابن السودان البار على صدورهم. سكك حديد السودان صارت أطلالاً بفعل فاعل، وليس بفعل كائنات غامضة. بلاغ قتل السكة حديد تم تسجيله ضد مجهول. الشفافية تقتضي معرفة الذين كتبوا نهاية السكة حديد وغرسوا خنجرهم في قلبها، وساهموا في دفنها. الشعب لا يريد أن يرى القاتل يسير في جنازة القتيل. بل يريد محاسبته من أجل أمن السودان ومستقبله. هل الذين قادوا السكة حديد إلى مصيرها المحتوم، بدورهم قد أمِنوا الحساب والمساءلة. مصانع النسيج والزيوت والصّابون والحلويات التي ماتت، وأُغلقت أبوابها، ونسج العنكبوت بين هياكلها المعدنية، من الذي وضع السياسات التي قبضت روحها؟. ليس ملك الموت الذي قبض روح الصناعة، بل هم بشر بأسمائهم وشحمهم ولحمهم. أم أن المسؤولين عن تلك الكارثة قد رُفِعت عنهم أقلام المحاسبة!!. كلّ أولئك الذين قضوا قضاء مبرماً على مشروع الجزيرة والمال العام و«سودانير» والسكة حديد والصناعة، وغيرها من الفعاليات الوطنية، وأضاعوا مئات الآلاف من الوظائف وأغلقوا مئات الآلاف من أبواب الرزق، ما يزالون طلقاء، قد أمِنوا الحساب في هذه الحياة الدنيا. أما حساب الآخرة فربما خدعتهم الظنون وصدَّقوا ما يعتادهم من أوهام، بأن شفاعة الشفيع قد تنجيهم، وتمنحهم الأمان في الآخرة. بالرغم من أنهم قد أمِنوا الحساب والمساءلة في دنيا السودان، إلا أنهم يعلمون في قرارة أنفسهم حجم الدمار المريع الذي ألحقوه بالسودان. لذلك كلما خطر ببالهم حساب الآخرة، ردّدوا في دواخلهم «إن شاء الله مضمونين بالنَّبي»، أو كما تقول مدحة الشيخ «ود الكِدِير». عبد المحمود نور الدائم الكرنكي