(السوداني) تكشف التفاصيل الكاملة لإبعاد الأستاذ الفرنسي. مدرس اللغة الفرنسية وزع رسما مسيئا للإسلام فاشتعل الموقف مذكرة من أحد الطلاب تفاقم الموقف وتثير هلع مدير المركز الثقافي الفرنسي إدارة المركز الفرنسي وسفارة بلاده سارعتا لإبعاده.. وإبلاغ الخارجية بالأمر قبل أن بتفاقم لماذا خاف مدير المركز من المذكرة؟ وما الذي فعله الأستاذ؟ الخرطوم - لينا يعقوب لم يكن الأستاذ الفرنسي (توماس لاميرو) يدري أن موضوع "حرية التعبير" الذي اختاره وأراد أن يناقشه مع الطلبة سيطيح به، ليس من وظيفته فقط، إنما أيضا إلى خارج البلاد.. ولم يكن يدري أيضا أن تلك المسألة الحساسة قد تتسبب في أزمة كبيرة، وما دار بخلده أن التصرف الذي أقدم عليه أخاف حتى مدير المركز الثقافي الفرنسي بالخرطوم الذي سارع بالاتصال بالسفارة. ردود الأفعال والخطوات كانت سريعة، لدرجة أن الجهات الرسمية في الدولة لم تعلم بها إلا بعد أن انتهت. السفير الفرنسي وصف في حديث مع (السوداني) تصرف الأستاذ ب(الخطير) وقال: "لم يكن ممكنا قبول اعتذاره بعد أن وقع الفأس في الرأس على" حد تعبيره.. أما مدير المركز الثقافي الفرنسي فقال ل(السوداني): "الأمر كان صادما، وخفت جدا لأنها كانت أكبر مشكلة تواجه المركز".. الطلبة الذين كانوا حضورا في المحاضرة، تعاطف عدد مقدر منهم مع (توماس لاميرو) معتبرين أنه كان حسن النية ولم تصدر منه إساءة".. أما وزارة الخارجية فلم تكن طرفا في القصة أو القرار، وأُبلغت رسميا من قبل السفارة الفرنسية بعد ذلك بالواقعة والقرار. القصة كاملة: يوم (الثلاثاء) في حصة المخاطبة بالمركز الثقافي الفرنسي، جاء أستاذ اللغة الفرنسية توماس لاميرو حاملا مقترحا لطلبته بمناقشة موضوع "حرية التعبير" فوافق الطلبة مرحبين، فأخرج من ملفه صورة كاريكاتورية مسيئة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، نشرت في صحيفة "شارلي ايبدو" الفرنسية قبل شهرين، فاستأذن الطلبة بأن يوزعها عليهم، وبعد تردد وافقوا على رؤيتها.. فسألهم الأستاذ "ما رأيكم في هذه الصورة، هل تعتبرونها ضمن حرية التعبير أم لا؟" فأجابوا سؤاله بسؤال آخر "ما رأيك أنت" فأوضح لهم "أن لا رأي له، إنما يريد أن يسمع رأيهم، ويريدهم أن يتحدثوا".. وفعلا تفاعل الطلبة واعتبروا أن نشر صور كهذه في الصحف والمجلات تسيء للإسلام والرسول.. الأستاذ – حسب ما روى الطلبة ل(السوداني)- اكتفى بالتعليق حول الموضوع قائلا "إن فرنسا تعتبر أنه من ضمن حرياتها السخرية من الأديان".. ثم عرج على موضوع آخر ليتحدث عن الصورة الذهنية التي جاء بها إلى السودان والتي كانت سيئة غير أنها تبدلت بسرعة لما وجده من وعي في معظم السودانيين.. الطلبة طلبوا من الأستاذ أن تكون محاضرتهم المقبلة عن الإسلام حتى يحدثوه عنه.. لكن يبدو أن الرياح سارت بما لا تشتهي السفن. الطالب خالد السماني، طبيب، لا ينتمي لأي من الأحزاب السياسية، قال لزملائه الخميس الماضي، إنه ينوي تقديم مذكرة احتجاجية لإدارة المركز للصور التي استخدمها توماس لاميرو.. وبين معارض ومحتج على القرار ومؤيد له، كتب خالد مذكرته بلغة رصينة لمدير المركز يوضح له ملابسات ما حدث.. مدير المركز.. خفت حينما قرأت ما حدث (السوداني) اتجهت أمس إلى مدير المركز الثقافي الفرنسي "ايمانويل لا براند" الذي شرح للصحيفة ما حدث، فقال بدءا إن الأستاذ توماس لاميرو أراد تحفيز الطلاب للتحدث في محاضرة المخاطبة في كورس اللغة الفرنسية حول موضوع "حرية التعبير" إلا أنه "اختار وسيلة سيئة وصارمة وهي تقديم صورة مسيئة" وأشار إلى أن الاحتجاج على ما حدث لم يكن مباشرا فقد حدثت المسألة في حصة الثلاثاء إلا أن المركز لم يعلم إلا صباح الأحد من خطاب تقدم به أحد الطلاب، واصفا الأمر أنه كان صادماً جدا وخطيراً ولا يمثل المركز بأي حال.. وأكد أن ردة فعلهم كانت مباشرة، فور استلامهم الخطاب، وقال: "بعد أن قرأت المذكرة أدركت خطورة ما حدث، واتخذت إجراءات سريعة واتصلت مباشرة بالسفارة الفرنسية".. وقال: "لم يكن لدينا حل، وأوقفنا الأستاذ فورا ومنعناه من ممارسة نشاطه وقدمنا اعتذاراً للطالب وأوضحنا له أن ما حدث تم بصورة منفردة ومعزولة عن المركز ولا يمت لسياساته بصلة.." الحادثة لم تتكرر من قبل لذا أشار لابراند، إلى عدم وجود ضوابط داخلية في المركز فيما يتعلق بشكل التدريس أو الطرق التي يتم استخدامها، إلا أن القيم والعقل هي الضوابط المعروفة، وأن المركز مكان لتواصل الثقافات وهذه الثقافات يجب أن تتواصل في جو من التسامح والاحترام.. وحسب المدير لأن القضية كانت خطيرة بما يكفي فقد تم إبعاده حتى إن كان حسن النية لأنه أثبت جهله وصدم معتقدات الطلاب الذين كانوا في الفصل، معتبرا أن سمعة المركز على المحك في شيء خطير جدا ولا يمت له بصلة، وأكد أنهم يؤمنون بعدم مساس المعتقدات الدينية على الإطلاق، وأنه دائما ما يقول لأساتذة المركز: "نحن لسنا هنا لإثارة نقاش حول الدين أو السياسة أو العلاقة بين الرجل والمرأة" وعليهم أن يكونوا محايدين.. وقال: " لقد ذكرنا شفاهة الأستاذ المعني لكنه نسي". مشاعر الخوف انتابت مدير المركز وقال ل(السوداني) إنها أكبر مشكلة تواجهه منذ أن جاء قبل أربع سنوات.. فهو يعلم أن هناك حرية تعبير مع احترام العادات والتقاليد والثقافات.. السفير الفرنسي: قرار الإبعاد عن السودان جاء بالتشاور مع الخارجية كانت الوجهة الثالثة ل(السوداني) هي السفارة الفرنسية، المكان المعني بالأبعاد السياسية، وما يمكن أن يحدثه التصرف الفردي في أزمة بين البلدين.. غير أن السفير باتريك نيكولوزو طمأن الصحيفة بأن ما حدث كان قراراً معزولا تم تداركه بسرعة.. وقال: " كان قرار مدير المركز إبعاده من التدريس حيث أحال بعدها الأستاذ إلى السفارة وهناك كان قرار إبعاده من السودان تم بالتشاور مع الخارجية الفرنسية.. نيكولوز أبدى صدمته الشديدة من الخبر، لأن الأستاذ خالف تقاليد المركز المتعلقة باحترام الثقافة السودانية والقوانين وتناول مواضيع حساسة جدا، وهو ما دعاهم لعدم التردد في اتخاذ قرار إبعاده على الإطلاق، وأشار إلى أنه اعتذر عن الخطأ لكن "بعد الفأس ما وقع في الرأس".. وأكد أن توماس لاميرو لم يكن ينوي إثارة الفوضى أو التشويه والإساءة، مشيرا إلى أنه عرض صورا نشرت في صحيفة فرنسية قبل بضعة أشهر وأراد أن يحولها إلى مادة نقاش، ولم يكن يعلم أن مثل هذه المسائل تثير حساسية الطلاب.. واختتم السفير الفرنسي قوله إن هذه التعليمات تُعطي لكل موظفي السفارة "احترام المشاعر والقوانين والأديان" وماذا بعد أن أُبعد؟! الخارجية قالت ل(السوداني) إنها لم تكن طرفا في قرار الإبعاد وأبلغت بعد أن انتهت السفارة من إبعاد الأستاذ.. إلا أن الطلبة الذين التقت بهم (السوداني) قالوا إن الوقائع حدثت بسرعة وأنهم لم يعتصموا كما ذكر في الصحف احتجاجا على التصرف، فقد استأذنهم ووافقوا عليه.. واعتبروا أن اعتذاره للطالب ولإدارة المركز كان كافيا، لأنه أكد أنه لم يكن ينوي إساءة الرسول الكريم.. السفير الفرنسي سارع بالحضور إلى المركز لتقديم اعتذاره للطلبة مع مدير المركز الذي كان قد أعلن اعتذرا قبله..وفي تلك الأثناء كان الأستاذ الفرنسي يتجه إلى المطار مغادرا الخرطوم.