احترمت أكثر عندما قرأت المقال المطول لوزيرة الدولة بوزارة الإعلام فى هذه الصحيفة يوم الأربعاء الماضي بعنوان (مراجعات وملاحظات) على أعتاب المؤتمر العام الثالث ( الدورة التنشيطية). ومصدر إعجابى واحترامي أمران أنه يأتي من وزير شاب فى النظام القائم وجرأته على الحوار الطلق والذى ذكرني بالمقالات الشهيرة للدكتور العالم الموسوعي ووزير الخارجية الناجح منصور خالد وصديقي د. اسماعيل الحاج موسى إبان الفترة المايوية والتى لو استفاد منها النميري ونظامه لعلنا كنا شهدنا تطورا للنظام وتحولا ديمقراطيا ولما احتجنا لانتفاضة أبريل التى فتحت الباب أمام الصراعات العنيفة والدامية بتوسع التمرد وانقلاب جديد أدى أخيرا الى انفصال جزء عزيز من الوطن وتداعياته المؤسفة والخطيرة التى نشهدها الآن ومستقبلا بمزيد من تشظي الباقي وأوضاع اقتصادية ومعيشية خطيرة جدا. أما مصدر تقديري لمقال السيدة الوزيرة أني أتفق على كثير مما كتبت رغم ما سمعته من بعض المتابعين والعارفين ببواطن أمور ما يجري داخل حزب الوزيرة وحكومتها. يقول أحدهم إن ذلك المقال لا يمثل الوزيرة وحدها وإنما من شخصية نافذة فى الدولة درجت على الإيعاز بطرح أفكاره عبر آخرين لأنه تعود ألا يقول تلك الأفكار النيرة بنفسه وقد ذكروا لى أمثلة سابقة. أما آخر فقال لي إن المقال هو محاولة لتحسين وجه النظام، وإضفاء مسحة ديمقراطية ومساحيق على وجهه العجوز لا تكفي لأن الأزمة أكبر وأعمق من ذلك وتحتاج الوضعية السياسية الى سياسات وقرارات وطنية حقيقية لتجنب كارثة قادمة ومؤكدة مهما حاول القائمون على النظام القول والتحدي بغير ذلك، فالربيع العربي أصبح مثل لعبة الدومينو فى القرن الحالي، قرن الشعوب التى تتوق الى الحرية والكرامة والانعتاق من الأنظمة الشمولية التى سادت فى القرن العشرين مثلما انعتقت من الاستعمار المباشر فى القرن التاسع عشر. وقد قرأت لأحد الكتاب السودانيين أن أول بداية سقوط الأنظمة هو استفزاز وتحدي الشعوب مثلما حدث فى تونس ومصر وليبيا. وهنا أتذكر تلك الطرفة الشهيرة التى تقول إن تونسيا وليبيا التقيا فقال التونسي إن الذى استفزنا وجعلنا نصر على إسقاط ابن على قوله لنا بعد اثنين وثلاثين عاما من حكمه المتسلط الفاسد (الآن فهمتكم)، فقال الليبى إن مشكلتنا والذى استفزنا وجعلنا نصر على الثورة والانتصار قول القذافي لنا بعد اثنين وأربعين عاما: (من أنتم!!). صحيح قول الوزيرة سناء أن المؤتمر التنشيطي يحتاج أن (يقف بشجاعة للأجابة على أسئلة مهمة وموضوعية تتعلق بالدولة والحزب وعند التفكير بالأسئلة والأجوبة نحتاج للتحلي بالشجاعة والقدرة على اتخاذ القرار وتحمل تبعاته). وقولها(لعب سوء الإدارة وصراع النخب وضعف بنية الدولة وهشاشتها دورا لا يقل عن الحرب فى إضعاف الجمهورية الأولى).. ولعل هذا فى تقديري ينطبق على الدولة السودانية منذ الاستقلال أيضا. وتقول السيدة سناء - وقولها حق – (ما يقلقني هو اتساع الشقة بين التحديات التى تواجهنا والأفكار والرؤى المطروحة للتعامل معها.. الخ...) ثم تتحدث عن عجز أو عدم رغبة فى التوصل الى تفاهمات وطنية تصنع من خلالها محددات كبرى تؤطر العلاقة مع (الدولة). وتتحدث عن طبيعة الدولة التى يجب أن تكون فى المرحلة القادمة وشكلها وإعادة هيكلها ودور الدين الإيجابي كعنصر هدي وتطور وتماسك وإيقاف استغلاله كطرف فى الصراع والتناحر. وعن الخدمة المدنية لإزالة التشوهات بعيدا عن المماحكات السياسية والمحاصصات الحزبية واختتمت بالحديث عن العلاقة بين الحزب والدولة. المقال هام ومفصلي وجوهر ما كتبه قبل عام د. حسن عابدين.. إنه بمثابة زرقاء اليمامة وأعتقد من المناسب ألا ننظر من الذى كتب أو أوعز أو هدفها وضع المساحيق بقدر ما تكمن أهميته فى جوهر أفكاره للمصلحة الوطنية العليا.. نواصل..