قصدت بالأمس أن أتجاوز أو بالأحرى أن أتغافل، التعرض لموضوعين هامين أخذا حيزاً معتبراً في لقاء السيد رئيس الجمهورية. ولقد كان التجاوز، أو التغافل عنهما، دلالة على أهميتهما الأمر الذي يستوجب إفراد مساحة خاصة بهما حتى لا يضيعا في خضم ما هو أهم وهو الذي عرضت إليه البارحة. والأول قد اختفى بالمذكرة التصحيحية وأحمد الله أنني كنت قد سبقت السيد الرئيس بالتأكيد على أن حزب المؤتمر الوطني حزب كبير ومتمدد ثم أنه قد جاء إلى الحياة وفي يده ملاعق من ذهب وفي فراشه الحرير وفي مخزونه تجارب السنين. لقد جاء حزب المؤتمر الوطني عصارة تجربة من حكم ومن عارض وفي المعارضة كانت له أكثر من تجربة خاض فيها تجربتي معارضة مسلحة في عام 1970م ثم في عام 1976 وهي التي عرفت ونسبت إلى الشهيد محمد نور سعد ثم كانت هناك تجربة المصالحة مع حكم عسكري شمولي في النصف الثاني من السبعينات وما تلا ذلك من مشاركة في السلطة. وفي المعارضة السلمية كانت هناك تجربة المعارضة في الديمقراطيتين الثانية والثالثة والأخيرة كانت حصان طروادة الذي كان على صهوته الدخول من باب الإنقاذ الفسيح. والخلفية والتجارب التي اختزنها أهل الإنقاذ، والمؤتمر الوطني هو الوليد الأصيل والوريث الشرعي للإنقاذ، لم تتوافر لغيرهم من الأحزاب أو الفعاليات السياسية ولهذا فإن لهم لكل ما يواجههم من متاعب ومصاعب موقفاً وتجربة يواجهون بها. ولعلَّ من المناسب أن نذكر، تأكيداً وتعزيزاً لما ذهبت إليه، أن كثيرين قد ذهبوا إلى تفسير الانشقاق الذي حدث في جسم الإنقاذ، أو الحركة الإسلامية، وظهور حزب المؤتمر الشعبي بقيادة الدكتور حسن الترابي، فزعموا بأن ذلك عمل تكتيكي مقصود لا يعبر عن واقع أهل الإنقاذ فلا انقسام على أرض الواقع بينهم وإنما كل ذلك عملاً تكتيكياً كما قال ذلك البعض ورغم أن ذلك قد انتفى وتأكد ضده تماماً إلا أن يقف دليلاً على أن الخبرة المتراكمة قد جعلت من كل الاحتمالات ممكنة بالنسبة لمن يقرأ أو يتابع مسيرة أهل الإنقاذ. لقد قام حزب المؤتمر الوطني على هيكل تنظيمي معروف ومدروس وقد أظهر تطبيقه تمرُّس أهله ومنسوبيه حتى في الالتفاف على ذلك الهيكل أقول هذا وفي ذهني أمران أولهما أن المعني هنا هو حزب المؤتمر الوطني منذ صرخة ميلاده الأولى والدكتور حسن الترابي ومن معه من قيادات الشعبي، بعد ذاك، من قياداته والأمر الثاني مذكرة العشرة والتي مثلت إلتفافاً حقيقياً سجلت به هدفاً ذهبياً في مرمى الدكتور حسن الترابي ولا بد لي من أن أذكر هنا أن من أحرز ذلك الهدف الذهبي قد كان الشهيد الدكتور مجذوب الخليفة. أخلص إلى القول بأن السياق الطبيعي لحديث السيد الرئيس بأن حزب المؤتمر الوطني حزب كبير وذو قاعدة جماهيرية عريضة وأنه من الطبيعي أن يكون وعاء لتيارات مختلفة ومرتعاً لرؤى وأفكار فيها ما يرتضى التلاقح وفيها ما يفرز التصادم وأنه من الطبيعي، والحالة هذه، ألا تكون كل هذه التيارات والأفكار ممثلة في القيادة إضافة إلى أن استمرار الحزب في الحكم لفترة طويلة من الطبيعي أن ينتج عن ذلك التململ والرغبة في المراجعة استهدافاً للتجديد وطول البقاء. وكل هذا خلق مناخاً ملائماً لظهور المذكرة والتي يبقى التعامل معها بصورة ديمقراطية وشورية الحل الصحيح الذي ينطلق منه موقف قيادة الحزب وعلى رأسها بالطبع السيد رئيس الجمهورية والذي أعيد بأنه قد قدَّم نفسه بصورة جميلة ومتميزة لم ينتقص منها موقفه من المذكرة ومن يقف وراءها والعبرة بمضمون المذكرة وجوهرها بغض النظر عن من صاغها أو فكر فيها.