وزير التربية والتعليم في ولاية الخرطوم – ضد قانون إلغاء عقوبة الضرب في المدارس ويراه قانونا معيبا - وسيادته لن يدخر وسعا في مناهضته – كل ذلك جاء على لسان الوزير جهارا ونهارا – وزاد الوزير انه لن يسمح باقتياد المعلمين الى اقسام الشرطة بتهمة ضرب التلاميذ حتى وإن اضطر لتقديم استقالته. في ذاكرتي وذاكرة كثيرين ربما الوزير نفسه منهم – طلاب نجباء كرهوا التعليم وقاطعوه باكرا بسبب الضرب المبرح وافراط بعض الاساتذة في الضرب والتنكيل بهم – ولكم أن تتخيلوا المصير الذي انتهى اليه هذا العدد من الطلاب. في المقابل هناك من يؤيد الحزم والضبط والربط والضرب في المدارس ويدين له بالفضل في ما وصله متناسيا النصف الآخر من الكوب وما فاض فيه من مآس. حسمت معظم دول العالم قضية الضرب باكرا وألغته تماما وخولت القضاء الفصل في أي مخالفات للقانون – وبما أن السودان لحق بالركب متأخرا واقر الغاء عقوبة الضرب في المدارس فمن حق المتضررين اللجوء الى الشرطة والمحاكم من بعدها – فالامر يتعلق بمخالفة قانون – فكيف سيتعامل الوزير مع المسألة يا ترى؟ وما هي الحدود التي سيذهب اليها في اطار عزمه مناهضة القانون؟. لماذا كان الضرب في المدارس؟ ولماذا اتخذ قرار بإلغائه وتجريمه؟ – السؤال الثاني يجيب عن السؤال الاول ومع ذلك لا بأس من بعض الإطناب حتى نوضح فكرتنا – فضرب الاطفال في السودان سلوك يركن اليه الكبار في سبيل ضمان تنشئة مضمونة لصغارهم – الوالد يضرب والوالد تفعل العم والخال والجار وعابر السبيل احيانا الكل يفعل طالما كان الهدف هو ذاته فالغايات هنا تبرر الوسائل. ورثت المدارس الحديثة الخلاوى التي تولت مهمة التعليم في مراحل سابقة ولا تزال تعمل بالتوازي او بالتقاطع مع المدارس حسب خيارات الاهالي – الضرب في الخلاوى امر شائع فالشيخ مطلق الصلاحية في ضرب من يشاء من الحيران عملا بالعقد الشفهي المبرم بينه وبين اولياء الأمور " اللحم لكم والعظم لنا". هكذا يوزع الأطفال مجرد لحم يسلخ او يطبخ لا يهم وعظم يجب الحفاظ عليه ربما ليكون قادرا على إنبات لحم بديل لتحمل جولات الضرب المقبلة. بهذا الارث استقبل السودان المدارس الحديثة وأوجد ما يمكن اعتبارها عملية دمج قسرية وغير منطقية بين اساليب التدريس والادارة في الخلاوى من جهة والمدارس من جهة اخرى. تم كل هذا واستمر عقودا من الزمن في حضن مجتمع متصالح تماما مع فكرة الضرب حتى تعاقب الاجيال لم يفلح في تغيير هذه الثقافة – فالآباء الذين كانوا تلاميذ بالامس يضجون بالضرب ويضيقون به لا يرفضون أن يتجرع ابناؤهم ذات الكأس اليوم. انحاز المجتمع للمعلم حتى في حالات التمادي في استخدام عقوبة الضرب وإلحاق الاذى بالتلاميذ – فضرب المعلم صنف في خانة ضرب الحبيب " الأحلى من اكل الزبيب". الغي الضرب وانكشفت التناقضات – ظهرت عيوب ومشاكل لطالما حجبتها السياط - هل المعلم السوداني مستعد لتقبل الوضع الجديد؟ وهل التلميذ السوداني في وارد التأدب والتحلي بسلوك ايجابي في ظل غياب عقوبة الضرب؟ – تناقضات اخرى لا تقل اهمية عن الاولى اهمها عدم الاهتمام ببيئة المدارس ونفسيات الطلاب واوضاعهم الاسرية والاقتصادية – فالغاء عقوبة الضرب يقتضي تزويد المدارس باختصاصيين نفسيين واجتماعيين فهل تم هذا؟ اذا كان الاجابة لا "نكون ظلمنا الوزير".