* ظهرت في دنيا السياسة مصطلحات عصرية تتحدث عن حالات في تاريخنا الإسلامى كانت بمسمى الكرَّ والفر، والآن حسب المستجدات أصبحت لها أسماء أخرى بمثل الانحناء للعاصفة أو الوسائل الدبلوماسية، ومصطلحات أخرى أشبه بالتلاعب بالألفاظ، مع ثبات المرامى والأهداف. * والانحناء للعواصف أصبح في زمان النظام العالمى الجديد، الذى نعيش غرائبه وعجائبه، إن اعتمد كسياسة للخروج من المآزق لتحول إلى انحناءة دائمة وركوعٍ ما بعده قيام * والتجارب المتكررة في حقل العلاقات الدولية المعاصرة، أبانت للقيادات في العالم الإسلامي، بأن العواصف لتركيع الشعوب لا يكتفي مثيروها بواحدة، لكنهم يستمرؤون التعذيب والإذلال كلما هدأت عاصفة لإثارة أخرى، ولقد أشارت الشواهد المرئية بان التنازلات في حق الشعوب، وعلى حساب السيادة، تمثل بالنسبة لمن ينتجون الأزمات ويعملون لتصعيدها، فرصة عظيمة، ولا يكتفون باقتناص الفريسة لكنهم يصرون على تمزيقها، وطحن عظمها لتستحيل إلى طعام شهىٍ لا مجال إلى إعادته إلى مادته الأصلية تارة أخرى من جديد. * والشعوب في عالمنا، استوعبت هذه الدروس، بكثرة الضربات الموجعة التى أصابت رأسها ونخرت أمخاخها، فأصبحت أكثر وعياً من قادتها، ويكفى في هذا المقام الإشارة إلى استيقاظ الشعب المصري والتونسي والليبي، وفي الطريق تبدو معالم يقظة في كلٍ من اليمن وسوريا، ولا ندرى ما هى اليقظات الشعبية التى يخفيها القدر، ولم تنجل عنها حتى الآن عتمة الليل، وتظهر معالم انبلاج الفجر الجديد. * وحتى تكون قراءتنا على قدرٍ من الوضوح في هذا السياق، ونستطيع ان نستفيد من الدروس، ونتعلم بأنَّ الانحناء للعواصف، لم يعد حلاً إن لم يكن ورطة بعدها يكون منعطف الطريق في وجهنا يمثل صعوبة قصوى تجعل من العسير اجتيازه، والتغلب على متاريسه، فإننا مطالبون بعدم الانصياع من الوهلة الأولى لأي إغراء يدفعنا نحو التنازل قيد أنملة عن المبدأ والعقيدة، لان مثل هذا السلوك سيجعلنا ننحنى حتى النهاية. * والانحناء هو الإذلال الذى لا يتسق مع صفات المؤمنين الذين لا تعرف عقيدتهم الاستكانة أو مقاصة الدين بالدنية، واستبدال الإيمان بالضعف والخذلان. * ونذكر بان أهل السودان، عندما واجهوا غائلات العداء، وفتحوا صدورهم لفيض الإيمان، لم يمسهم سوء، وانقلبوا بفضل من الله ورضوان، ولكن عندما تسرب إليهم الأمل، بأن اللين مع الباطل يمكن ان يكسبهم حقاً، ويرد عنهم كيداً، انهمرت عليهم قوى الظلم بقضها وغضيضها، بعضها يمنيهم الأماني، وبعضها يرفع العصا، والآخر يضغط من كل اتجاه، ولا أرد كل الانبعاجات التي حدثت ومازالت في طريقها الى الحدوث، إلا بسبب ما نسميه الضرورات التى تقتضي الانحناء للعاصفة، ومازلنا ننحني لمثل تلك العواصف، دون أن يقر لنا قرار، أو نستمتع بأي قدرٍ من الاستقرار. * ولقد آن أن نعود مرة أخرى إلى هتافنا وشعارنا الأول بأن قسماً قسماً لن نرجع ولغير الله لن نركع، ولا انحناء ولا سجود، إلا لله رب العالمين.