"الحمد لله على السلامة وأحسن الله العزاء فى عبدالمجيد والخبر الذى وصلني أن الأخ صلاح إدريس والأخ عبدالمجيد توفيا فى حادث حركة فى طريق شندي". هذه رسالة وصلتني من أخ عزيز وأنا عائد لتوِّي من سرادقين للعزاء أولهما فى عزاء الأخ الأكبر عبدالمجيد منصور وثانيهما فى عزاء والدة زوجة الأخ الخليفة والمهندس مختار مكي. رحم الله الفقيد والفقيدة وجعل مثواهما الجنة. والموت هو الحقيقة الأزلية الوحيدة التى أتفق ، ويتفق، عليها كل البشر والذين لم يتيسر لهم أن يتفقوا على وحدانية خالق الكون ومحيي الخلائق ومميتهم سبحانه وتعالى. وموت كل إنسان يكون فاجعة ومصيبة قلّ أو كثر من تقع عليهم الفاجعة والمصاب ولكن موت عبدالمجيد ، يرحمه الله ، تتسع دائرة المصيبة وتتعاظم الفاجعة لما للرجل من عطاء مشهود وفكر متقد وبسالة وجسارة وصبر وصمود. أنا فى طريقي إلى شندي ، تلك الولود الودود العظيمة ، لأبكي عندها فتاها الذى أشهد ميادينها على عبقريته الكروية وهو بعد صبي يافع وأشهد أهلها ، وغيرهم ، على عبقريته المصرفية وهو بعد شاب فى أول طريق الوظيفة وأشهد ساحتها الرياضية ، كذلك ، عبقريته الإدارية وهو ما يزال لاعباً يعطي فى الميدان الأخضر فدخل السلك الإدارى منذ أن كان لاعباً لينهل ويشارك جهابذة الإداريين الرياضيين فى المدينة التى عرفت بتفرد إدارييها. وعبدالمجيد ، يرحمه الله ، عاش سخياً وكريماً لا فى المال فحسب ، وإن كان المال قد عرف ميزاناً ماسِّياً يعرف به الكريم من البخيل والسخىُّ من الشحيح...فى الملعب كان سخياً مع زملائه يقدمهم على نفسه ويبدع فى التعاون معهم بالتمريرات المتقنة وبالاستماع والانصياع لنصائح من كانوا يكبرونه وبالنصح والإرشاد لمن جاءوا بعده وكانوا يصغرونه. وما اختلف أمره فى مجال عمله المصرفي الذى أحبّه وبرع فيه ولعلنا جميعاً قد لاحظنا كيف أنه قد حرص على ألا يتخلى عن زهوه وافتخاره بأنه مصرفي وما هذا الفخر ولا ذاك الزهو إلا لأنه قد أعطى هذا المجال ما يدعو للفخر والاعتزاز. لقد أحسنت شندي وهي تقدمه للسودان كله إدارياً فذاً ومتفرداً فى المجالين المصرفي والرياضي واللذيْن أبلى فيهما بلاءً حسناً بل عظيماً ليسجل اسمه فى سجل الخالدين فى المجالين سواء بسواء. ورغم أن فترة عمل الأخ الراحل عبد المجيد ، يرحمه الله ، فى بنك الخرطوم قد كانت أطول ، وأثرى ، فترات عمله فى المجال المصرفي إلا أنها لم تلق من الذكر والتقدير ما تستحقه وأنا أعزو ذلك لطبيعة العمل المصرفي وهو نفس حال تجربة اغترابه فى السعودية والتى أسرع فى العودة منها ليفجر طاقاته فى عمل مصرفي خلاق ساهم فيه بالقدر الأعلى والقدح المعلَّى فى تأسيس البنك الإسلامي السوداني ثم البنك الأهلي السوداني. أما الهلال الذى جاءه إدارياً ناضجاً ومعطاءً فإنَّ الحديث عنه يطول رغم أن صحائف عبدالمجيد ، يرحمه الله ، معلومة ومقروءة وكتاب مفتوح ويكفي أنه قد حمل لقباً يصعب أن يطلق على غيره ...رحمك الله يا أخي الأكبر ..(إنا لله وإنا إليه راجعون).