يجب أن ننتبه جيدا لخطورة التدهور المريع الذي اصاب العلاقة مابين الشمال والجنوب والذي يوشك أن يعيد البلدين الشقيقين لمربعات الحروب القديمة الخاسرة والتي استدلنا عليها الستار نهائيا بعد إتفاقية السلام الشامل في نيفاشا عام 2005م ولكن هناك أصابع خفية هنا وهناك وأدوات ومؤثرات خارجية لاتريد إستقرارا بيننا وأهلنا في جنوب السودان وأيضا هناك اخرون يؤججون الاوضاع في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق بحثا عن حروب بالوكالة برغم أنهم سودانيون في الجنوب وفي الشمال ولاينتمون للولايتين بأية صلة عرقية أو قبلية ولايرون استقرارا في المنطقتين إلا بعد إسقاط نظام الحكم الحالي غير مدركين المخاطر التي يمكن أن تواجه السودان في حالة إستمرار العنف والحروب الأهلية التي قد تؤدي في نهاية الأمر الى تقسيم السودان مرة أخرى مما يجعل العقلاء في الحكومة والمعارضة يكثفون العمل سويا وصولا الى معالجات لكافة القضايا العالقة عبر الحوار والحلول السلمية بجانب أهمية إبداء حسن النوايا وتجنب الإحتراب مابين الشمال والجنوب لتفويت الفرصة على أصحاب الأجندة الخارجية والذين يبحثون عن الحرب بالوكالة. في حديث صحفي لوزير التعليم العالي والبحث العلمي في حكومة جنوب السودان الدكتور بيتر أدوك قال (نحن ماعندنا حاجة ضد السودان ونرى دائما بأنه أقرب الينا من أى بلد في العالم بإعتبار العلاقة التي تعود لاكثر من مائتى عام) وأشار أدوك الذي أعلم جيدا وحدويته وعشقه للسودان الواحد إلى إمكانية نجاح النظام (الكونفدرالي) بين دولتى الشمال والجنوب إذا تضافرت جهودنا سويا من أجل الاستقرار في البلدين وبدأنا بشكل جاد بالتعاون الإقتصادي والإجتماعي والثقافي وصولا للإتحاد السياسي الكامل الذي يحقق النمو والتطور للشعبين الشقيقين في الشمال وفي الجنوب، ذلك كان حديث الدكتور بيتر أدوك الذي شغل أيضا منصب وزير التعليم العالي والبحث العلمي في حكومة السودان الموحد السابقة قبل أن ينفصل الجنوب. أن حديث أدوك الموضوعي والعقلاني يتطلب مساندة واضحة وصريحة من حكومة جنوب السودان خاصة وأن الرأي العام الشعبى في الجنوب حريص على علاقات متميزة ومفتوحة مع اهلهم في شمال السودان تحقيقا للمصالح المشتركة على كافة الأصعدة الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والذين يعتقدون غير ذلك من قادة العمل السياسى في الجنوب عليهم إعادة قراءة الواقع الاقليمى والدولي في زمن التكتلات الاقتصادية والسياسية وما يمكننا تحقيقة من نمو إقتصادي يجعلنا قوة لايستهان بها في المستقبل القريب لما نملكة من ثروات زراعية وحيوانية وبترول ومعادن نفيسه في باطن الأرض ناهيك عن الموقع الإستراتيجى في وسط أفريقيا الواعدة.. وأيضا حديث بيتر أدوك يحتاج الى ردود فعل ايجابية من قادة العمل السياسى في الشمال خاصة قيادات حزب المؤتمر الوطني الحاكم فقد سئمنا الحديث السالب وكل أساليب التهديد والوعيد ونتطلع فقط للمفردات الايجابية والحديث الطيب الذي في نهاية الأمر وبالضرورة يزيد من شعبية قائله ويعضد موقف حزبه في إتجاه السلام المستدام والاستقرار التنظيمى ويدعم تماسك الجبهة الداخلية ووحدة الموقف الشعبى. إن تلطيف الأجواء وإعادة بناء الثقة مابين الشمال والجنوب ليس مسئولية حزب المؤتمر الوطني وحده بل هو مسئولية كافة القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني وفوق كل ذلك هو مسئولية شعبية تقع على عاتق كافة شرائح المجتمع السوداني من تجار ومزراعين وعمال ومهنيين وشباب وطلاب ودور مهم ومميز للمرأة في تطوير العلاقات الانسانية مابين الشمال والجنوب.. وأيضا من المؤسسات الرسمية التي يمكن أن تلعب دورا محوريا في العلاقة هناك مجلس الصداقة الشعبية العالمية والذي لابد من أن يكون جمعية اخوة وصداقة مع أهلنا في جنوب السودان أسوة بتلك الجمعيات المنتظمة مع الهند وباكستان وماليزيا ومصر وباقى دول العالم وأعتقد أن الرجل القدير الدكتور أحمد عبد الرحمن محمد المسكون بالعمل الدبلوماسي الشعبى يملك القدرة الكافية في إستنفار الفنانين والأدباء والصحفيين والشباب والمرأه من أجل تفعيل ذلك الدور المهم والخطوة الأهم وصولا الى طريق تهيئة المناخ الاجتماعي والثقافي الذي يسهل مهمة السياسيين في معالجة كافة القضايا العالقة بين البلدين الشقيقين وأن مسالة العلاقة المتميزة مع اشقائنا في جنوب السودان ليست محل مزايدات أو مكايدات سياسية فكلنا نتساوى ونتسامى أمام تلك الصلة الأزلية التي لايمكن أن تنقطع ولو بفعل فاعل فلا مجال لأي حزب سياسي يسعى لتسوية علاقة حزب اخر باشقائنا في الجنوب فنحن نعلم جيدا هناك عناصر شمالية إنفصالية بثت كل سموم الكراهية لاهلنا في الجنوب بل ساهمت بقوة من أجل أن ينفصل عن الشمال ولكنها مجموعة قليلة جدا لم تجد من يتصدى لها من الوحدويين الجنوبيين الذين خفت صوتهم بعد علو صوت الانفصال السياسى الذي فوجئ به الجميع شمالا وجنوبا. إن علاقة الشمال بالجنوب علاقة أزلية تلاعب بها بعض الساسة في الجنوب حينما فرضوا على أهلهم البسطاء الإنفصال دون أدنى دراسة موضوعية وعلمية لمحاسن الوحدة أو الكونفدرالية ومخاطر الإنفصال وتداعياته التي نعيشها اليوم ولكننا..يجب أن نقفز فوق الذي حدث ونبحث في الكيفية التي تمهد الطريق لعلاقات تحقق فيها مصالح الشعبين الشقيقين ويعم فيها الإستقرار عبر حدود آمنة وإنتقال سلس للمراعى وفتح الحدود والمطارات وتبادل الزيارات ببطاقات الهوية الى تحقق التكامل الإقتصادي التام والسلام المستدام.