الخمور أو الخمر المحترمة مصطلح فقهي للخمر التي لا يجوز الاعتداء عليها، ومنها الخمر التي صنعت لتصبح خلا وليس لشربها ولا هي صالحة للشرب، فالتخمير فيها مرحلة من مراحل التصنيع كما يقولون بلغة العصر. ومنها خمر غير المسلم إذا كان مقيما في دار الإسلام بعهد أو ذمة وكثيرا ما يختصر بأنه (ذمي) ولكن الصحيح أن هنالك أهل عهد وأهل ذمة وتلك قضية أخرى. ما أود توضيحه هنا أن غير المسلم لو كانت إقامته في بلاد الإسلام شرعية فإنه لا يجوز إراقة خمره طالما اتخذها لشربه، ولا يجوز قتل خنزيره لو اتخذه ليأكله. ويقول الفقهاء إن المسلم لو غصب خمرا أو خنزيرا لذمي أو أهلكها فإنه يغرم ثمنها لأن الخمر عنده بمنزلة الخل عند المسلمين والخنزير عنده بمنزلة الشاة عند المسلمين ولأن ذلك كله يعد مالا عنده. من هنا جاء لفظ (المحترمة) أي أنها حرام ولكن تحترم لأن لصاحبها حق فيها. وهذا خلاف الاستخدام المتداول لوصف (محترمة) هذه الأيام. عندما يقول قائل (خمر محترمة) فهذا يعني أنها ممتازة أو درجة أولى، وعندما يقول ضربته ضربة محترمة فهي ضربة قوية. القانون الجنائي السوداني ذاته ينص على عقوبة شارب الخمر (إذا كان مسلما) وعقوبة غير المسلم في حالتين وهما: الشرب في مكان عام (المجاهرة بالشرب) أو الإتيان لمكان عام في حالة السكر (حتى ولو شربها في داره)..! من هذا المنطلق ما هو حكم زائر غير مسلم دخل البلاد وهو يحمل زجاجتين أو ثلاثة في حقيبته الخاصة لاستخدامه الشخصي. غالبا ما يكتشفون أمره ويصادرون الخمر وهذا هو خطأ وتغول على الشرع الذي يحترم خمره طالما أنها ليست بغرض البيع أو التوزيع في ديار المسلمين. وحسب شروحات هؤلاء الفقهاء فهي خمر محترمة يجب رد ثمنها لو أخذت لأنها اعتداء على مال تجيز الشريعة له تملكه وحيازته دون تلويث للمظهر العام وذلك لأن حال هذا الرجل مثل حال المسلم الذي دخل ومعه زجاجة زيت أوخل. غالبا ما تنشط هنا بعض الردود المكرورة التي تعتمد على (سد الذريعة) باعتبار أن هذا الأمر ذريعة فساد فقد يدخل معه الخمر ويبيعها للمسلمين، وقد يهديها لصديق له فيفسده بذلك. يردد البعض هذا وكأن حظر الحق الشرعي لا يفتح الباب أمام ذرائع كثيرة في الظلم وهضم الحقوق بحجة الحفاظ على بلاد المسلمين وثقافتهم. لا عجب فقد صار سد الذريعة ذاته أكبر ذريعة للتوسع في تحريم ما أحل الله كما قال ابن حزم رحمه الله. وربما تتذرع السلطات بسد الذريعة لمنع المتظلمين حتى من التظلم والجهر بشكواهم باعتبار أن هذا يؤدي إلى الفتنة ونسف الاستقرار ويتركون الظالم حرا طليقا يحميه القانون. إنني أعتقد أن من جاء للبلاد مقيما بإقامة شرعية لفترة مؤقتة يجب أن تتسامح السلطات معه فيما يحمله من خمر داخل أغراضه الشخصية طالما لم تبلغ كمية الانتفاع التجاري وليبق في السودان للغرض الذي جاء له سائحا أو لعمل مؤقت شريطة أن يتناول خمره هذه في غرفته أو داره بغير مجاهرة ولا إعلان.