تدخل أئمة المساجد في الشأن السياسي لا يبعث على الاطمئنان في هذه المرحلة على وجه التحديد – إلى جانب ما صدر من بعض الأئمة كحادثة فرفور والإمام الذي وصف الراحل محمد إبراهيم نقد بالكافر وغيرها وغيرها . كل هذا لا يبشر اذا نظرنا للأمر من زاوية المصلحة العامة والتحليل السليم والنصح السديد. النقيض هو ما يحدث في الساحة السودانية بكل أسف – فمع كامل الاحترام للائمة ودورهم نقول لهم – تمهلوا قليلا قبل الإدلاء بآراء أو خطب سياسية الطابع يصعب نسبها إلى المصلحة العامة. وخير مثال مناشدة بعض الأئمة لرئيس الجمهورية عدم السفر إلى جوبا خوفا على سلامته - ولتجنب مؤامرة قد يقدم عليها الجنوبيون. اتهام واضح لسلطات الجنوب أطلقه هؤلاء الأئمة في مرحلة دقيقة بدا فيها ذوبان الثلوج بين الخرطوموجوبا وارتفعت فيها مقاييس الآمال بقرب التوصل الى توافقات نهائية تسد الباب أمام احتمالات عودة الحرب. لا ندري على ماذا استند الأئمة هؤلاء في إطلاق تحذيرهم وما هو دليلهم على خيانة دولة الجنوب لضيفها والآمال التي تعلقها على الزيارة والتعهدات التي أطلقتها لحسن وفادة ضيفها – لا دليل بكل تأكيد وإنما آراء وقناعات بعضها شخصي وبعضها نابع من مواقف واتجاهات سياسية بعينها – حملها هذا النفر من الأئمة إلى المنابر ليخلقوا منها قضية رأي عام كما تعودوا. كعادتها تلقفت الصحف دعوة الأئمة وروجت لها وقد كان من الأولى تفنيدها والرد عليها - غير بعيد عن سعي بعض الأئمة للتأثير في اتجاهات السياسة في هذا البلد انتصارا لطرف على حساب آخر - أو لمجرد إثبات الوجود وضمان الوجود في الساحة الإعلامية – وهذا ليس من وظائف ائمة المساجد كما تعلمون. من السهولة بمكان التعرف على الائمة المنخرطين في التحريض السياسي وردهم إلى تنظيمات واتجاهات معروفة سلفا – بعضهم ظل يخوض في الشأن السياسي منذ أمد بعيد وهؤلاء زادوا جرعة التسييس كثيرا - والبعض الآخر دخل الساحة مستفيدا من التطورات المتلاحقة منذ عام 2005 طبعا لا يفهم من حديثي أعلاه تأييدي منع الأئمة من تناول الشؤون السياسية بالنقد او التأييد فهذا حق متاح لهم ولا ينازعهم فيه احد بعيدا عن التحريض والمزايدة والإدلاء بتصريحات تضر بالوفاق والأهداف العليا لمصالح البلاد. فأي تقارب مع الجنوب وأي جهود تبذل في هذا الشأن تصب في خانة المصالح العليا - لأنها تجنبنا حروبا عدة وليس مجرد حرب واحدة - وتدعم فرص التعاون الاقتصادي والعوائد التي يمكن جنيها على ضوء ذلك – فهل هذا غائب عن بعض أئمة المساجد ولا نقول كلهم – ولماذا اختار هذا البعض إعلاء الصوت إذن والعمل على عرقلة زيارة البشير إلى جوبا. وهي خطوة متقدمة جدا كان يمكن حتى تفسيرها في سياق الضرورة والمصلحة إذا كان لا بد من تفسير او معادل ديني لهذا الفعل السياسي البسيط. ختاما نقول يا أئمة المساجد الكرام – دعوا المياه تعود إلى مجاريها مع الجنوب - لأنه لا بديل لذلك إلا الحرب والتوتر المستمر - ولا اعتقد أن أياً منكم يؤمن بضرورة دعم التوتر وتسخين الأجواء – نريد سياسة تنتج في أروقة المكاتب الحكومية فقط وليس في أي مكان اخر "صعبة دي".