لقد كانت فداسي بالنسبة لي ارض احلامي التي امارس فيها طقوس حبي معك وهي الان لم تعد الا بقعة من الكون تركت فيها بعضا من جسدي ودفن فيها جزء من روحي.غادرني احساسي بالامكنة ولم اعد ارى الا ذلك الفراغ المميت وانا اتجول في طرقاتها ,اصابني الخواء العاطفي فلم اعد اشعر الا بمضي الزمن ولم اعد اتذوق الا طعم الحزن ,مازال يحف قدمي تراب المقبرة وانا اغدو اليك جيئة وذهابا اصبح مرقدك ملاذي الوحيد في بلاد شهد كل ركن منها على قصتنا معا .مازلت ابحث عنك في كل الوجوه بدون جدوى,ومازال الحزن يأكل اطرافي شيئا فشيئا, ومازال يأثرني ذلك الحنين المحرق اغلب الاحيان ,,تغيرت كل المعالم من حولي بعد رحيلك ,وفقدت الاشياء بريقها وذهبت الوانها ولم يعد يحل مكانها الا ذلك السواد المزعج,, ضاع مني عالمي الذي كنت اعيشه لاني فقط كنت اراه من خلال عينيك , وفقدت الحياة معناها بالنسبة لي اذا لم تكن تعني الا تلك اللحظات التي كنت اسرقها من الزمن لاكون فيها معك..ابي........ منذ يوم رحيلك وانا احاول ان اصف كم هو غريب احساس الغياب ,,احاول وصف حال الاشياء والناس والدنيا والحياة والعالم بعد غيابك ,,ابي لقد افتقدك الناس والطرقات وكل تلك الاشياء التي كانت تحمل بصمتك ,,افتقدك مصحفك الذي مازال يتكئ على مقعده في حزن وحروفه تحكي قصة شوقها اليك,,افتقدتك مسبحتك التي تطوق عنقي منذ يوم رحيلك وهي ما زالت تحتفظ بعبق عطرك ,, افتقدتك اراضي فداسي الخضراء وانت تغدو اليها مع اشراقة كل فجر جديد,,افتقدك الكثيرون في موسم هجرة الارواح الي السماء ,افتقدك شعارنا الذي كنا نحمله سويا (لن يسبقني الي الله احد في رمضان ), افتقدتك طرقات المسجد وهي تسالني عنك ,,وافتقدك رجال حلقات التلاوة بمسجدنا العتيق ,,اوافتقدك رجال التهجد وهم يتخذون من ظلام الليل ستارا ليذكروا الله و يقولون (بُدل) كان معنا ,,افتقدك رجال الديوان وهم يفترشون ارض العمدة يوسف ليلتفوا حول مائدة رمضان ,,وافتقدك رجال الحي بل رجال فداسي وهم تسبقهم دموعهم كلما اتوا الينا, افتقدتك البيوت وانت تطرق ابوابها مهنئا بالعيد,, وافتقدك العيد نفسه وانت تنشره فرحا بداخلنا بابتسامتك التي مافارقتك يوما ..ابي..... مازال الفقد يلقي بظلاله على اعمامي ابناء العمدة يوسف وهم يصارعون الم رحيلك وتستبيح اعينهم دموع الرجال كلما أتي ذكرك, وايضا اعمامي من ال يوسف الذين اشتكوا الفقد في جلسات الجمعة من كل اسبوع ,, امي (السيدة فاطمة) حار فكرها ولم تستطع ان تتوشح بالصبر كما فعلت في جرحها الاول اصبح فؤادها خاليا وقلبها داميا وعيناها لم تتوقف عن الدموع منذ ان اصابها الفراق واوجعها الرحيل ,,اما نحن في البيت فقد اصبحنا اجسادا غادرتها الارواح ,,,يسرا بعقلها وفكرها الذي لم ينضج بعد تكتب على ورقها الابيض النقي (ابي لقد عرفت الان ما هو الموت وعرفت الفرق بين الواقع والخيال) ,يوسف حفيدك الذي لم ينعم بالعيش في كنفك مازالت عيناه الصغيرتان تبحث عنك في صمت,, همساتك في كل مكان وكلماتك مازالت تعلق بزوايا المنزل ,, حتى الجدران وجلسات المساء والصباح انهكها الشوق وهي تسأل عنك,, ابي تمزقت قلوب الناس علي فراقك وبكتك دموع الرجال قبل النساء فكيف هو حال امي واخوتي بل كيف هو حالي انا بعد ان غادرني رفيق الدرب وملهم العقل .. مرت فصول هذا العام تحمل كل غرابة الكون بين اضلاعها,, فلم تكن نسمات صيفه باردة كما كانت بل تحولت لهبا محرقا وانت لست معنا ,حتي فصل الخريف جاء جافا بعد ان بللت دموع رحيلك كل الارض ,,وفصل الشتاء الذي أتي علي غير العادة دافئا علي الجميع بعد ان امتص الحزن كل ما يحمله الشتاء من قساوة ,, اختفت تلك الضحكات التي كانت تجوب ارجاء المنزل طربا وحلت مكانها تلك الابتسامات التي اصبح طعمها مريرا اغلب الاحيان... انطفأ ذلك البريق الذي كان يشتعل فرحا في عيني عندما اعود الي فداسي بعد كل غياب,,فهي الان اصبحت عاصمة احزاني ومنبت الألم,, فمازالت الطرقات بالنسبة لي تتنفس حزنا وتنبعث منها رائحة الموت في كل حين, ومازالت احاجينا معا منقوشة على كل جدار وكل ارض وكل بيت ,,ابي سوف اظل احدثك دائما كما كنت افعل من قبل فقصتنا معا لم تنته بعد ,وسوف اظل ابعث لك الى ان نجتمع على ارض الحق كما اجتمعنا معا في ارض الاحلام..... وكل عام وانت ذلك النور الذي يضئ حياتي,, لطالما كنت وسوف تظل ......... زينب بدل