تتنزل الاحزان، تعود الى اصحاب الوجعة الحقيقيين – تنفصل عن مشهد الحرب العام او اي نوع من انواع الهجمات اجرامية او ارهابية كانت – ينقشع غبار المعارك ليكتشف ذوو الضحايا حجم فاجعتهم الخاصة في سياق الفاجعة العامة طبعا. هذا ما توحي به دموع امهات واباء وزوجات وابناء الخ الخ وهم يتحلقون حول جثة قريب تقطر دما – يبكون كما لم يبك انسانا من قبل – يطرحون اسئلة او تساؤلات يعرفون مسبقا انها بلا اجابات. هنا يقتل الناس بلا حساب فانعدام الاجابات يعني في عرف البعض انعدام الحياة بالضرورة. الثورة السورية خير شاهد على قوة الاحزان وطابعها المزدوج المتوزع بين الخاص والعام – صور وحكايات تتفطر لها القلوب – موت مجاني لا يمكن تبريره باي حال – سياتي يوم يوثق فيه السوريون احزانهم كما يجب – سيرتاحون بعد النصر – حينها لن تكون احزانهم شأنا خاصا – سيعمم الحزن ويخلد في دوائر البطولة والصمود. الاحزان والضعف وقلة الحيلة هي كل ما بيد البسطاء ليشكلوا مشهد الازمة – وليصدروا شهادات الادانة الواحدة تلو الاخرى – يتاثر الرأي العام في اي مكان من العالم بما يشاهد من احزان ومآسي- لا يحتاج المشاهد اي جهد ليعرف من الجاني ومن الضحية – سيدفع النظام السوري ان عاجلا او آجلا ثمن الاحزان والدموع والضعف البشري التي انتجها حتى الآن. ما ينطبق على سوريا ينطبق على غيرها فالعامة يتحملون عبء الحروب والصراعات – يقتلون ويجرحون ويشردون ويجبرون على النزوح واللجوء – لا يلتفت الكبار للدموع التي تسكب واصوات النحيب المكتوم وقصص الفقد التي تروى – من يلتفت لكل هؤلاء من يطبطب على ام فقدت ابنا او زوجا او كليهما. استمعت لام من كوسوفا فقدت ابنيها الاثنين – تتحدث في فيلم يوثق لحروب كوسوفو - كانت تبكي بعمق – دمعات قليلة وحرقة تملكت صوتها – كانت الكلمات تخرج من فمها بالكاد – تخرج مبللة بالاسى والذهول رغم مرور نحو 12 عاما على مقتل ابنيها – حكت عن ابنها الصغير ذي الاربعة عشر عاما – وكيف انه جاءها ذات صباح وسألها ان تشتري له ادوات حلاقة لان لحيته بدات تنبت اي انه بات رجلا. وبالفعل اشترت الام لابنها ماكينة حلاقة ومعجون – استخدمها الابن لمرة واحد وقتل بعدها – الام لا تزال تحتفظ بماكينة الحلاقة وما علق فيها من شعيرات تذكر بابن لن يعود ثانية. في المقابر يرقد الولدان في قبرين متجاورين – ثمة مساحة قرب قبر الابن الاصغر قالت الام وهي تبكي بعمق ايضا انها ستدفن هنا – واخيرا تلت الام وابنتها الفاتحة ثم مسحتا على وجهيهما وتنهدتا وغادرتا المقابر بصمت . ما اكثر التجارب في هذا الجانب – الاف منها وربما ملايين ظلت حبيسة الصدور والجغرافيا – وحده الاعلام الحديث يستطيع توثيق الاحزان ووضعها في متناول الرأي العام والساسة ورجال الدين وغيرهم من الفئات ليقرروا بشأنها وليحددوا موقفهم مما يجري هنا وهناك ولو على الصعيد الاخلاقي فالمصالح والتحالفات على الساحة الدولية هي التي تحدد نشوب ووقف الحروب.