لدي قاعدة أسير عليها في مخالطة الناس واستطلاع المدائن واكتشاف البلدان، وهي أن الذي لا يعرف تاريخهم لا يعرف حاضرهم، ولذلك فإنني أعتقد أن الذي لا يعرف من الدول الخليجية شيئا سوى الازدهار الاقتصادي الحديث فهو لا يعرفها. قبل زيارتي للشارقة بدعوة كريمة من دائرة الثقافة والإعلام هناك لحضور معرض الكتاب (الطفل القرائي) الذي يأتي برعاية الشيخة جواهر القاسمي قرينة سمو الشيخ د. سلطان بن محمد القاسمي حاكم الإمارة حرصت أن أغرق مجددا في تاريخ الإمارات والشارقة تحديدا. وقد كان معلوما لدي أن الأثر الثقافي للعرب في شرق افريقيا يرد فيه ذكر الشارقة وميناء خورفكان وهو أحد أقدم مواني ساحل الإمارات الشرقي على خليج عمان والذي انطلقت منه الحركة التجارية العربية لتسيطر على المحيط الهندي دونما منازعة فتأسست ممالك وإمارات إفريقية وتمازجت بالعرب دماً ولساناً لتنشأ اللغة (السواحيلية) ولتمتزج الكيرواندي ولغات البانتو بمفردات موغلة في العروبة، ويشهد بذلك حتى الآن طراز المساجد والعادات الشعبية وشكل العمامة والطاقية والهندام في كثير من مدن الساحل مثل جيبوتي ولامو وممبسا ودار السلام وغيرها. قد يقول قائل وأين الخليج من هاتيك الأدغال البعيدة والإجابة أن من يملك البحر يضع قدمه على البر، ومن يغص لصيد اللؤلؤ لا يتهيب الأمطار الاستوائية! والمعلومة التي لا ينتبه لها كثيرون هي أن ملك يوغندا (أمتيسه) كان مسلما قبل دخول الإسلام في بعض مناطق السودان الشمالي وقبل اكتشاف منابع النيل والسبب أن توغل الأثر العربي والإسلامي غربا نحو منطقة البحيرات بدأ قديما. ووصل بورندي ورواندا وغرب الكنغو للدرجة التي تشعر فيها في رواندا مثلا بأن الإسلام عنصر وطني أصيل ولا عجب في ذلك فالتحالف الحاكم من ضمنه (الحزب الإسلامي الديموقراطي الرواندي). ربما أجبرني ولعي بأفريقيا الإنسياق في هذه الفذلكة ولكن قوة الثقافة ووهجها في الشارقة يشهد بأن شمسا سطعت يوما ما. وتتواصل في الشارقة هذه النزعة الثقافية في عهد الشيخ الدكتور سلطان القاسمي والذي يعرف بضمير الاتحاد. في الحقيقة لقد أحال الشارقة ذاتها إلى ضمير الثقافة العربية فالتوازن الذي يدير به التوجه نحو استشراف الحداثة مع غرس الأقدام قويا في التراث والذات مسألة تستحق الدراسة في إطار جدلية الأصالة والمعاصرة، وقضية الهوية عندما تكون على المحك بين الماضي الأصيل والواقع المتبدل والمستقبل المنفتح على كل أمل وظن وهاجس. الشارقة نجحت في الإهتمام بالمباني والمعاني معا. ووراء هذا إنفاق سخي على المهرجانات الثقافية ومن ضمنها معرض الشارقة القرائي للأطفال والذي دعيت فيه لتقديم محاضرة عن العولمة وأثرها في تطور ثقافة الطفل العربي. فالمعرض ليس مجرد (معرض كتاب) بغرض التسوق والربحية، هنالك ندوات وورش عمل عن كتب الطفل الكفيف، والأطفال ذوي الإحتياجات الخاصة الذين تضمر فيهم الملكات العقلية والفهم. وهذه لمسات إنسانية تحدث في الشارقة لأن الإمرة للضمير والسطوة للثقافة والأدب.