** ومن حكاياتنا الشعبية الشهيرة، حكاية مدمن الأفلام الذي حضر فيلماً هندياً بالقضارف ثم سافر الى كسلا وطاب به المقام هناك، وظل يمارس هوايته المفضلة متنقلا من دور عرض الى دور عرض أخرى، إلا أن تفاجأ ذات مساء بعرض لذات الفيلم الهندي الذي شاهده بالقضارف.. وفي مشهد ما كاد الخائن أن يغدر بالبطل الذي لم يكن منتبهاً، فصاح الجمهور متوجساً أو بمظان تنبيه البطل، فوقف صاحبنا هذا صائحاً ومطمئناً: (لا ياجماعة، ماتخافوا، ما تخافوا، البطل دا ما بيموت، الفيلم دا أنا حضرتو في القضارف).. نحكيها حين تتكرر الأشياء، شكلاً ومضموناً، أو حين تعيد جهة ما إنتاج قضية ما، ليس بغرض الحسم ولكن لزوم (اللت والعجن)..!! ** على سبيل المثال، فلنقرأ الحدث كما جاء في صحف البارحة..كشف المراجع العام لنواب البرلمان بأن هيئة الأوقاف السودانية بددت مبلغا قدره (6.4 مليون ريال سعودي)، في أغراض غير ذات جدوى بحجة استرداد الأوقاف السودانية بالسعودية، ومن أوجه التبديد ذاك المبلغ: تم اختلاس مليونين وأربعمائة الف ريال، ثم تم إيداع مليون وثلاثمائة الف ريال في الحساب الخاص بمنسق الأوقاف، وما تبقت تم تبديدها في الإيجارات والمرتبات وغيرها، أي ضاع المبلغ - اختلاساً وأجوراً - ولم يسترد السودان وقفاً، هكذا يقول المراجع العام.. لقد تضاعف المبلغ، ولكن ليس في أصل الحدث جديد يصلح بأن يكون خبراً، يعني بصراحة كده يا ناس الأوقاف: (ما تخافوا، المختلس ما بيتحاكم، الفيلم دا أنا حضرتو في الخرطوم دي قبل 3 سنوات)..نعم، وأرشيف هذه الزاوية يشهد (2يناير 2009)، ذات القضية، ذات الشخوص، ذات التبديد، ذات الاختلاسات، وذات التستر، سردتها قبل ثلاث سنوات، ولم يحدث شئ.! ** عفواً، لقد حدثت أشياء محزنة.. اجتمع مجلس إدارة الهيئة بالمنسق، واسمه خالد عثمان، لمناقشة القضية، وهم التيجاني سعيد رئيسا ، هاشم عبد الله رحمة، الطيب صالح بانقا، حامد يوسف، عوض حاج علي، عبده جماع منصور ثم وكيل الوزارة.. اجتمعوا وناقشوا على النحو التالي، بالنص: ((.. رئيس المجلس: "الموضوع ده أي مراجع داخلي كان ممكن يعمل فيه تسويات ويحسمها داخليا، ونحن كوزارة الشغلة دي ما بتشبهنا ياجماعة".. عوض حاج علي: (على ضوء الإجراءات الإدارية المنسق ده مدبس، والشغلة كلها مخالفة في مخالفة، عشان كدة نحاول نلملم الموضوع ده).. الطيب صالح بانقا: (مع احترامنا الشديد للمجلس، لو الشغلة دي المراجع العام ما اقتنع بيها ماعندها فايدة، والفاكسات الكتيرة البتمشي السعودية ذاتها مافضيحة ياجماعة؟ يا اخوانا الكلام ده عيب والله).. المنسق خالد: (نحن سمعنا في أوقاف سودانية بالسعودية، ولقينا عمارة في موقع ممتاز بمكة لكن عند الدفع سافر المالك، وهناك فى حوش تاني اسمو حوش الفور وشهادة البحث تحت الإجراء، وصرفنا في نسخ الأختام، ومابقدر بجيب مستندات الصرف لأنو المستلم القروش ما ممكن يديني فاتورة، والمراجع بيقول لازم تجيب فاتورة).. عوض حاج علي: (كان تتصل بالمدير او الوزير قبل ماتدفع القروش، والمفروض ماتدفع قروش لأفراد، موضوعك ده فيهو تجاوزات).. ثم ختم المجلس اجتماعه بتوصية مفادها: (على المنسق تصفية هذه الفروقات وكتابة خطاب اعتذار)..)).. هكذا وثق محضرهم تسترهم على تجاوزات منسقهم قبل ثلاث سنوات، وانتهت المحاسبة الإدارية - كما أراد عوض حاج على وآخرين - بنهج (نحاول نلملم الموضوع ده)..!! ** ثم تحركت نيابة الأموال العامة وتأهبت للسفر الى السعودية، حيث الأموال المهدرة والمختلسة بشهادة المراجع العام، ولكن قراراً وزارياً حال دون إكمال التحري، نص القرار: (الإخوة رئيس وأعضاء مجلس الإدارة.. السلام عليكم ورحمة الله.. الموضوع: توجيه.. نما الى علمي بأن لمجلس الإدارة لجنة مكلفة بالسفر الى السعودية لمراجعة أوضاع المنسقية، وكذلك علمت أن لجنة أخرى فيها مندوب من نيابة المال العام ستسافر لنفس الغرض..عليه أوجه بالآتي : يلغى سفر الوفدين ويستدعي المجلس المنسق المقيم بكامل مستنداته المتعلقة لتقوم اللجان بمراجعته هنا داخل البلاد.. ولا يخفى عليكم وجه المصلحة العامة فى ذلك.. وجزاكم الله خيرا.. د أزهري التيجاني وزير الإرشاد والأوقاف.. 3 أبريل 2008).. أها، هذا ماحدث قبل ثلاث سنوات.. وعليه، حديث أول البارحة الذي تحدث به المراجع العام لنواب البرلمان مجرد فيلم هندي (حضرناه قبل كده، وماتخافوا يا شيوخ الأوقاف، البطل ما بيتحاكم)..!!