كثرت الشكاوى من قبل الصحفيين والناشرين بما تواجهه الحركة الصحفية من مشكلات بعضها يتصل بالتسهيلات والمعينات والقوانين، والآخر له علاقة بالمهنة وترقيتها، من حيث التدريب والتأهيل غير أن هناك شكاوى من القراء هي كذلك ينبغي ألا توضع في الهامش، ونحن نحاول اقتراح المعالجات سعياً وراء إصلاح الحال برمته دون إعلاء جانب على آخر، أو الاهتمام بمنحى وإسقاط مناح يجب أن تنال قدراً من الاستقصاء للوصول إلى حركة صحفية مبرأة من العيوب، وقادرة على قيادة الرأي العام. وما نلاحظه أن الصحافة السودانية بالرغم من عمرها المديد الذي تجاوز القرن من الزمان ظلت تقبع جامدة في محلها من حيث الشكل والمضمون إن لم يعصف بها التخلف الذي جعلها تعاني من وضع أسوأ من حالتي التكلس والجمود. والرأي الغالب أن الأسباب الكامنة وراء عدم تطور الصحافة السودانية هوعدم السماح لها بارتياد الآفاق من قبل الأنظمة السياسية المتعاقبة، بالكبت والتحجيم والانسدادات التي اتخذتها تلك الأنظمة، خشية أن تنطلق الصحافة من عقالها فتهدد الأنظمة وتساهم في سقوطها، بيد أن هذا السبب قد يكون جزءاً من مركبات العناصر المقعدة للحركة الصحفية ولا يمثل كل العناصر التي أدت إلى هذا الحال الذي تعاني منه الصحافة حيث تعطلت حركتها، وضعف مضمون مادتها وأصبحت مجالاً خصباً ليمتهنها من لا مهنة له ويرتاد ساحتها الذين يفتقرون لأبسط شروط المهارة والخبرة والتأهيل. وإصلاح النشاط الصحفي لا يمكن أن ينتج آثاره بفتح العين على عيب، وإغماضها عن عيوب أخرى ذلك لأن الصحافة هي المسؤولة عن كشف الحقيقة وإبداء الرأي وتبصير الجاهل وإيقاظ الغافل بل هي المسؤولة عن القرارات الخاطئة ببذل جهود للاقلام تبياناً لخطئها إلى أن يعدل متخذ القرار عنها بعد أن يتضح له بفعل الذي بينته الصحافة لما يحيط بها من خطل وأخطاء. والإصلاح الذي ننشده للحركة الصحفية لا بدَّ له أن يستهدف الشروط الواجبة الانطباق على الناشرين والمؤهلات اللازمة للصحفيين والكتاب والمواثيق الخاصة بأخلاق المهنة وحدود الحرية التي تسمح للرأي أن يتخذ مساره دون انحراف والانحراف المعني بألا تفسر الحرية بأنها مجال للطعن في الذمم، وتحويل الصحافة إلى محكمة للتجريم والإدانة، اعتماداً على تقارير مفبركة ومقالات تنضح بالاتهام في وجه الأفراد والمؤسسات، وتدق الإسفين اثر الإسفين في الدولة التي من مسؤوليتها الحفاظ على الأعراض، وتنظيم نيل الحقوق وحراسة البوابات التي من خلالها يؤدَّى الواجب ويضطلع أفراد المجتمع بالمسؤوليات. وفيما لوكان الإصلاح هدفاً نبيلاً فإن الالتفات إلى القدرة المالية للناشرين وملَّاك الصحف يصبح هدفاً محورياً ذلك لأن الصناعة الجيّدة تحتاج إلى من يستطيع خدمتها بالتمويل، ودفع الكلفة العالية من أجل أن يكون المنتج منها منتجاً يجد القبول عند العرض، ويتلقفه النَّاس دون أن تحوم حوله شكوك لجودته وبالتالي لا يوصف بأنه سلعة مضروبة ذلك لأن الصناعة المضروبة بمثل تلك التي تعج بها الأسواق قد ظلت مكدسة بمخازن أصحابها وكانت النتيجة كساداً للسلعة، وإفلاساً لمن تعوَّد ان يتاجر في البضاعة التي يحيط بمكوناتها الفساد. وبقدر الاهتمام بالناشر والمالك للصحيفة، وما يجب أن تنطبق عليهما من شروط فإن الصحفي ومهارته وشروط خدمته هي كذلك من عناصر إصلاح الحركة الصحفية منعاً لتشويه هذه المهنة بمن تطاولوا عليها، وسودوا صفحات الصحف بعبارات جعلت القراء في حالة دائمة من الاشمئزاز، أما بعبع الرقابة الذي يشتكي منه الصحفيون فسيكون بعبعاً قابلاً للقتل إذا حدث الذي أشرنا إليه من إصلاح ذلك لأن حركة الإصلاح ومن يتولونها من مصلحين هي التي تقف في وجه الرقباء.