حلقة نقاش بين الإعلام والخارجية... الدبلوماسية السودانية.. العمل في حقول الألغام..!! هناك أصوات، تعلو كلما وُقع اتفاق، تندد وتخون وتهدد، تتحدث عن المساوئ وتتجاهل الإيجابيات، لكنها تنجح في نهاية الأمر بإقناع العديد من المتابعين بوجهة النظر تلك... مراكز قريبة من دوائر صناعة القرار انتبهت ورأت خطورة القضية، فدرجت على عقد لقاءات تنويرية أو جلسات نقاش مع عدد من قادة الإعلام، ويبدو أن الأمر لم يعد محرجا، فقد تغير فهم مسئولي الدولة على كافة الأصعدة لدور الإعلام، فلم يعد الإعلامي هو ذلك الشخص المزعج الباحث عن (شمارات)، إنما أصبحت له مكانة مرموقة محترمة لجهة أن قادة الدولة باتوا يسارعون إليهم لشرح وجهة النظر وأخذ الآراء، وهو نهج لم يكن متبعا على الأقل قبل استفتاء الجنوب. هذه المرة كان الموعد بين الصحافة ووزارة الخارجية.. فالخارجية التي تعمل بصمت رغبت أن تشرح قليلا القرار رقم (2046) لعام 2012 الصادر من مجلس الأمن والمتعلق بوقف العدائيات بين دولتي السودان وجنوب السودان بعد أن علت أصوات عديدة من سياسيين وإعلاميين تندد بالقرار وتطلب أن (يبلوه ويشربوا مويتو)، لكن مستوى رفيع من سفراء الخارجية - الوكيل رحمة الله عثمان، مدير إدارة الأزمة عمر دهب، وسفير السودان لدى دولة الجنوب د. مطرف صديق، وادار الحلقة الناطق الرسمي باسم الخارجية السفير العبيد مروح - تحدثوا في حلقة نقاش بعنوان (قراءة في قرار مجلس الأمن ومآلات التفاوض) والتي عقدت نهار أمس بمباني الوزارة... تقرير: لينا يعقوب ابتدر السفير عمر دهب حديثه بذكر تحفظات الحكومة حول قرار مجلس الأمن الدولي، وهي تحفظات سبق وأن تم الإعلان عنها أهمها أن القرار لم يأخذ القضايا الأمنية كأولوية "بحكم أن السلم والأمن في قائمة مهامه" ثم عرج دهب على ذكر المحاسن قائلا إن القرار أتاح للحكومة المضي قدما في التفاوض والاستفادة من التعديلات التي حدثت في القرار الأممي لحماية السلام والأمن الاقليمي، فالسودان ليس له أطماع في الجنوب السودان ولا يسعى بأن يكون خصما لأي من الدول المجاورة له، وأن القرار أتاح التمسك بالمبدأ القانوني والمنطقي الذي يتماشى مع مبادئ الدولة المتمثلة بإيلاء الأهمية إلى الناحية الأمنية وهو ما ورد في الفقرة الأولى بعدم إيواء الحركات المتمردة في كلا البلدين. وأشار إلى أن الفرق بين القرار الأفريقي والأممي أن القضايا الأمنية أعطيت إطارا زمنيا (بتسويتها حالاً) منوها إلى أن القرار الأممي الذي أدان هجليج له مكاسب أخرى (الإدانة يتبعها تعويض عن الخسائر) خاصة أن لجنة لتقصي الحقائق شكلت بطلب من الجامعة العربية لحصر الأضرار الناجمة، وأوضح أن القرارين أشارا إلى المبادرة الثلاثية المتعلقة بدعوة الطرفين إلى توفير المساعدات الإنسانية وهي الفقرة التي ذُكرت فيها الحركة الشعبية قطاع الشمال وقال: "هذا ليس اعترافا بالحركة الشعبية أو إضفاء صفة شرعية عليها إلا أن القانون الدولي يلزم أي حركة متمردة دون الاعتراف بها بضرورة مراعاة الشروط الإنسانية في المناطق التي هي جزء من النزاع فيها" وقال إن قرار الاتحاد الإفريقي سيظل خيار الحكومة الاستراتيجي من ناحية مؤسسية بل ويكاد يكون الأخير. قبول قرار برر سفير السودان لدى دولة جنوب السودان د. مطرف صديق قبول الحكومة بقرار مجلس السلم والأمن لأنه جاء بذات نص قرار الاتحاد الإفريقي (بإضافة كلمة واحدة فقط) قائلا: طالما قبلنا وساطة الاتحاد الإفريقي عبر الآلية الإفريقية فيجب ألا يفهم الاتحاد الإفريقي أننا ضد قراراته خاصة أننا من قدمنا الشكوى إليهم، وأشار إلى أن المجتمع الدولي سئم من تطاول أمد التفاوض دون الخروج بنتائج حاسمة وهو مبرر كاف أدى إلى وضع التواقيت المذكورة، وأكد أن الحكومة سعت وحاولت أن تضع نهاية تحمل نتائج إيجابية إلا أن الطرف الآخر ظل يمارس سياسة الهروب، ووصف ما تقوم به دولة الجنوب الآن بالضرب تحت الحزام، ففي الوقت الذي يلتزم السودان بالقرارات الأممية تقوم جوبا باحتلال ثلاث مناطق (كافيا كنجي، كف أم دبه، أم سماحة) واصفا أنها إحدى تكتيكات الدبلوماسية والسياسة التي تقوم بها دولة الجنوب، وأوضح أن وضع هذا التوقيت القصد منه حث الأطراف بالدخول في عملية تفاوضية جادة ومن ثم التأكيد على الآلية الإفريقية، وأكد مطرف أن العملية التفاوضية إن تمت بصورة جديه فإن التواريخ التي حددها مجلس الأمن والاتحاد الإفريقي ومجلس السلم والأمن الافريقي جيدة، مبديا توقعه أن ينشط رئيس اللجنة الإفريقية رفيعة المستوى ثابو مبيكي ويبدأ جولات مكوكية ليضع ترتيبات بدء التفاوض معطيا الأولوية للقضايا الأمنية. ردود وتوضيحات العديد من المداخلات تبنت وجود نظرية للمؤامرة وأن دولا تستعدي السودان كانت وراء القرار، لكن وكيل وزارة الخارجية السفير رحمة الله عثمان قطع بعدم وجود نظرية مؤامرة بشأن ما صدر من قرار من مجلس الأمن، من قبل الولاياتالمتحدة أو غيرها، بل إنه أثنى على موقف الرئيس الأمريكي باراك أوباما حينما طلب من سلفاكير مياردت بالانسحاب من هجليج، مضيفا أن سلفاكير اضطر أن يرسل لأوباما من يؤكد له أن الاحتلال تم دون رضاه "ومن وراء ظهره"، واستغرب رحمة الله الهجوم على الآلية الإفريقية، وقال إنه حينما زار جنوب إفريقيا أبلغه بعض المسؤولين أن الحركة الشعبية تتهم امبيكي بأنه بات "سودانيا"، وينحاز إلى جانب السودان في مواقفه وتقاريره، وأشار إلى أن القرار الأممي أعطى الحكومة شيئا وأخذ منها شيئا، لافتا إلى وجود لاعبين آخرين يقفون وراء حكومة الجنوب، واعتبر الوكيل أن مواقف بعض الدول في مجلس الأمن – لم يذكرها – ليست ضعيفة لأن من حقها أن تبحث عن مصالحها، مشيرا إلى أنها استندت في قرارها على موقف الاتحاد الإفريقي الذي وافق عليه السودان. وكشف عن تحركات رصدتها الحكومة طوال الشهرين الماضيين لشخصيات من حكومة الجنوب إلى بعض الدول الإفريقية لإحالة ملف التفاوض للإيقاد إلا أن السودان رفض ذلك، وأكد الوكيل بأن الدبلوماسية السودانية لعبت دورا كبيرا وليس كما يظن البعض أنها خاملة، وأضاف: "إلا أنها ظلت إلى الآن تعمل في حقل ألغام"، ونوه إلى أن الحماسة غير مقبولة لديهم كدبلوماسيين. وأوضح أن مهامهم كسفراء ومسؤولين بالخارجية تتمثل في تقديم النصيحة لدى القيادة إلا أنهم لا يجرأون على اتخاذ خطوات دون علمهم وموافقتهم، وشدد أنهم يسعون إلى خلق علاقات جوار طيبة مع دولة الجنوب، مبديا أمله أن تفتح هجليج أجواء إيجابية مع الجنوب بالرغم مما حدث. كلمات أخيرة وبلا شك تم التأكيد على أهمية دور الإعلام، باعتباره شريكا أساسيا فيما يتم التوصل إليه، ودعا د. مطرف إلى ضبط الكلمات سواء من ساسة أو إعلام لأن الكلمة كالطلقة إن خرجت فبإمكانها أن تصيب أي شيء، وقال إن الحرب لا تبدأ بالآليات العسكرية إنما الحرب كلمة، واعتبر أيضا أن ضم دولة الجنوب لمنطقة هجليج أحد أنواع الحرب، لأنها تريد أن تستفز الشعور القومي، وقال إن أسوأ شيء أن لا يتعلم الإنسان من خطئه.