اجتماع لمجلس شورى الحركة الإسلامية وقرارات وخطط مستقبلية، صدمت فعلا وأنا أقرأ خبرا حول هذا الموضوع، فقد كنت أظن مثل كثيرين غيري أن الحركة الإسلامية تنظيم "مات وشبع موت" لصالح المتنمر والمتوثب المؤتمر الوطني. وكان الظن باللجوء إلى الحركة وأدبياتها في سياقات غير ذات تأثير تتعلق بالحنين حينا والصراعات الداخلية حينا آخر وكل ذلك يؤكد سلامة القناعة بموت الحركة بالضربة القاضية. عادت الحركة الإسلامية إلى الواجهة مجددا أقله عبر اجتماع مجلس شوراها في أرض المعارض ببري، وخبر عن قرب انتهاء فترة السيد علي عثمان محمد طه أمينا عاما لها عملا بمبدأ التناوب. بعيدا عن التفاصيل يكتسب الحديث عن الحركة الإسلامية في التوقيت الحالي دلالات خاصة، فالمؤتمر الوطني على سعته، ثمة إسلاميون غير راضين عن أدائه حزبا وحكومة لأسباب بعضها معلن وبعضها الآخر ما زال طي الكتمان. وخير مثال هنا هو مذكرة الألف الأخيرة والحنين الذي حملته لتجربة الحركة الإسلامية وأيامها الخوالي. يصعب على رجالات الصف الأول في الحزب والحكومة اليوم إقناع العضوية الوفية والصميمة للحركة أنهم يمثلونها بأي حال، فالمناصب ألقت بظلالها عليهم وعلى أدائهم خاصة من زاوجوا بين العمل السياسي والتجاري وما أكثر هؤلاء. دعاة العودة إلى الحركة أو إعادتها إلى الواجهة ينطلقون من خلفية معرفتهم بها وبتقاليدها التنظيمية وربما قدرتها على إلزام عضويتها والتحكم في توجهاتها العامة ومحاسبتها حتى إن دعا الداعي. وهذا ما عجز عنه المؤتمر الوطني الذي ترك الحبل على القارب أحيانا ولجأ إلى التسويات والطبطبة على الكتوف أحيانا والحسم في حالات معدودة. نقول ذلك وكل شيء مكشوف ومعروف والأمثلة على "قفا من يشيل". أنصار تجربة الحزب سيردون على الفور متحدثين عن التدرج في بناء الحركة منذ البدايات الأولى والمراحل والأسماء التي قطعتها قبل أن تنتهي بالمؤتمر الوطني كتطور طبيعي، مذكرين أن قيادة الحركة هي من اختارت الذوبان في الحزب لأسباب تتصل بالسلطة والسلطة فقط. في المقابل يرد أنصار الحركة بأن المؤتمر الوطني لم يستوعب كل عضوية الحركة ولم يكن عادلا في التعامل معها لأن دائرة ضيقة من الإسلاميين هي من يتحكم به وفيه، بما يتيح للمزايدين والحادبين على مصلحة الحركة بالتحرك معا كل من منطلقاته وأهدافه بما يبقي على الوضع الانقسامي الراهن. هو "قميص عثمان" آخر يرفع بين الفينة والأخرى، بين من يرفعونه مجموعات ناقمة فعلا على ما آل إليه مصير الحركة وهناك أيضا من يلوح بالقميص ذاته لأسباب لا تخفى وهؤلاء هم المتحكمون في الحركة والحزب والحكومة. ربما تأثر أنصار إعادة إحياء الحركة بقرار جماعة الإخوان المسلمين في مصر الحفاظ على كيانها وإنشاء جناح حزبي يخوض في الساحة السياسية باسمها ونيابة عنها في فرز واضح بين الديني والدعوي من جهة والسياسي من جهة ثانية، استباقا لما ما يمكن أن تجرهم عليهم مشاكل السياسة تعقيداتها، وهذا ما فات على الحركة الإسلامية السودانية التي وجدت نفسها مضطرة لتحمل أخطاء وإخفاقات المؤتمر الوطني على كثرتها. ختاما، يبدو اجتماع مجلس شورى الحركة الإسلامية الأخير مجرد خطوة معزولة عن سياق الأحداث والتطورات المحلية وكل ما حملته سنوات الإنقاذ. أضف إلى ذلك عزلتها عن خيارات القطاع المتنفذ من الإسلاميين أي السادة الكبار المتحكمون في مجريات الأمور داخل ما تبقى من الحركة والحزب والدولة على حد سواء.