العقيدة القتالية هي خلاصة الإنتماء والإيمان المطلق بالوطن وبقضاياه الثورية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية .. وهي جميعا تأتي من أجل تحقيق هدف سامي قد تكون أرضيته التحرر من الاحتلال أو غير ذلك، والعقيدة القتالية تجعل من الأمة في إرتباطها بإرثها وحضارتها وأرضها ومبادئها وعقيدتها كإرتباط الجنين بأمه، والعقائد المادية عادة في دوافعها الإنتمائية ترتكز على دوافع فطرية، دوافع الرغبة، دوافع المحبة والتقدير. والانتماء جزء لا يتجزأ من عقيدة الفرد تجاه وطنه وشعبة، ويتجسد الانتماء عادة في الممارسة والأفعال والسلوك لا في الأقوال وحسب، وهدفه يتجلى في عدة صور منها حب الوطن والتنظيم والدفاع عنهما بكل ما يمتلك المنتمي من إمكانيات وطاقات فكرية، استكمالا لمسيرة النضال التي بدأها رجال عظماء وشرفاء قضوا نحبهم من اجل الدفاع عن هذه القيم، وأسسوا مدرسة النضال والجهاد الثوري مدرسة (الإنتصار). مشاهد ذلك لدينا في السودان (مدرسة الدفاع الشعبي) والأدب الجديد وتجد مقولة واحدة تزلزل أركان الأمة وتهز أوراها كمقولة (الشهيد) عبد المنعم الطاهر (أولادنا خلّيناهم لألله وجنيا في ألله والله ألله ما بخزينا..) ومقولة الشهيد (على عبد الفتاح) إبّان العدوان الثلاثي ذلك عندما أتي جيش التمرد بجيشٍ ظناً منهم ألا قبل للسودان به فحوّل بكلمة واحدة أساسها العقيدة (الدبابات جات والدبابين جو) كلمة فقط زاد بها من التحدي والصمود ورفع قدر العقيدة القتالية عند المجاهدين فحول معظم المقاتلين البشر لدبابات فكان لواء الدبابين، والفرد المقاتل استحال من لحم ودم إلى بارود تهون في وجهه الآلة المزمجرة في تصدٍ استثنائي ومواجهة أسطورية لمقاتل يعتبر بمقاييس العتاد الحربي أعزل إلا من صموده وعزيمته واعتقاده في ربه ودينه يقف في وجه مدرعة ترعد، ويشبه ذات الفداء استبسال جيوش المهدية لتصديها جيش كتشنر الغازي بمدافع المكسيم في 24 نوفمبر 1899 حيث استشهد الخليفة عبدالله في ام دبيكرات وكان بذلك بداية اول يوم لحكم الانجليز وساعة التحام الجيشين كان الفدائي (الأنصاري) يدخل في فوهة المدفع ليحمي أخوته المجاهدين مقللاً للخسائر البشرية فما الذي يدفع بهذا لهذا وأية عقيدة قتالية تلك التي تحرضه وتحمله لسكب دمه بهذه الصلابة والجسارة والعزيمة والتصميم والخليفة وهو يقرأ في راتب الإمام تكومت من فوقه جثث الأنصار المحصودة بمدافع وبنادق الإنجليز الآلية في ذاك الوقت لتؤكد أنّ لهذا الشعب عقيدة قتالية راسخة بدءاً ومنتهى وصلاح عقيدة قتال اليوم بما صلُح به استبسال الأُوّل، فهذا الشعب هو كما هو يختلف مع الأنظمة والحكومات المتعاقبة ولكن عند الحارة معدنه واحد يترك جدل الخبز والبصل والدقيق والأراضي والغلاء وجمر الأسعار الملتهب ويتجه بمنتهى إرادته لقضية واحدة وهي الجهاد ورد الغاصبين المعتدين المحتلين خاصة إن كان جهاد (دفع) فشعبنا توحده الإبتلاءات والمكاره التي حفت بها الجنان وتفرقه التي هي سوى ذلك. لذلك العقيدة القتالية الراسخة هي التي تدفع المقاتلين إلى المقاومة والاستبسال في الدفاع والقتال، حتى لو تغيبت عوامل الصمود ومنقذات الحياة الأولية، والعقيدة القتالية تحطم كل المعايير التي تتحكم في نظريات وقوانين الصراع، فتجعل من المقاتل الواحد وكأنه مائة مقاتل، ومن النفر القليل جيشا كبيرا، وتجبر الأعداء على مواجهة حساباتهم الأمنية ونظرياتهم الاستراتيحية، والعقيدة القتالية هي التي تدب الخوف والذعر في الأعداء، لذلك فهم يحسبون ألف حساب عند المواجهة المسلحة لأن العقيدة القتالية الصحيحة سر القوة وكانت أن أحبرت العقيدة القتالية لحزب الله قادة الكيان الصهيوني على إعادة النظر في كل نظرياتهم الأمنية وحطمت مفاهيمهم العسكرية والإستراتيجية، وضربت منطلقات العقل العسكري الإسرائيلي والعقيدة القتالية الصلبة تجعل حركة طالبان صامدة رغم الضربات القوية والمتلاحقة ضدها، وصمود دول أمريكا اللاتينية أمام الغطرسة الأمريكية وكذلك كوبا وكوريا، والعقيدة القتالية هي من وراء سقوط الشاه عام 1979م والعقيدة القتالية أجبرت القوات الروسية على الإنسحاب من أفغانستان، وخروج الاستعمار الفرنسي ثم الأمريكي من فيتنام. وقريباً يوم 8/4/2001م عقب مشادات حادثة طائرة التجسس الأمريكية جددت الصين اصرارها على تقديم الولاياتالمتحدةالامريكية اعتذارا بشأن حادث الاصطدام الذي وقع بين طائرة تجسس امريكية ومقاتلة صينية، معتبرة ان هذه المسألة بالغة الأهمية بهدف إنهاء الازمة والإفراج عن افراد طاقم الطائرة الامريكية ال 24 واصر نائب رئيس الوزراء الصيني في رسالة وجهها إلى وزارة الخارجية الامريكية على ضرورة أن تقدم واشنطن إعتذاراً لفقدان الطيار الصيني. كما طلبت الصين رسمياً وقتذاك من الطرف الامريكي الإقرار بالواقعة واتخاذ موقف ايجابي وعملي وتقديم اعتذار إلى الشعب الصيني، المهم في خلاصة الأمر أصرّت الصين ألا تطير هذه الطائرة في سماء بكين مرة ثانية ولا تغادر للولايات المتحدةالأمريكية إلا وهي أجزاء وقطع محمولة وقد كان. والعقيدة القتالية في الإسلام كما هو مفهوم ترتكز على مايسمى بالشروط الموضوعية في فهم واستيعات أبعاد الواقع (الجيوسياسي) المخزون الإيماني المتجذر في والوجدان الجماعي للأمة وهو العامل الأكثر حسماً في توجيه مسار الحرب إما إلى نصر أو هزيمة كان النصر حليف الفئة المستضعفة يوم بدر (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ). آل عمران (123) فانظر كيف كانت درجة الإيمان وفي المقابل يوم (حنين) انظر كيف كانت درجة الإيمان حيث التفوق العسكري لصالح المسلمين اثنا عشر ألف مقاتل، صعود معنوي هائل بلغ الذروة إثر فتح مكة، وإخضاع (قريش) القوة العسكرية الرئيسة في الجزيرة لسلطة الدولة الإسلامية الوليدة، وعلى الرغم من ذلك لحقت الهزيمة بهم في بادئ الأمر (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ). التوبة (25). وكما قيل فإن العقل العسكري الإسلامي شديد الخصوصية والتميز من نظيره المصاغ وفق معايير ونظم مادية إلحادية محضة؛ إذ أن الأول ينزع الى رفض الانصياع الكامل لسلطة التفوق العسكري كشرط ينفرد وحده في توجيه مسار الحرب؛ كثرة العدة والعتاد فهو يؤمن بأن إلحاق الهزيمة بالعدو ليس مناطاً بالفلسفة الكمية وحدها، ولكنه مناط أيضاً بربط الأخيرة بهذا الثابت القرآني الخالد (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ). (محمد7)، فهو يجمع بين ما هو موضوعي أي التوظيف الإستراتيجي للواقع وما هو إيماني في عقيدته القتالية، وهو ما يفسر الإنتصارات الساحقة والمتلاحقة، حتى وإن كانوا في موقع الاستضعاف والعدو يتبوأ موقع التمكين (وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ). الأنفال (26) والتأييد من قبل الله مرهون باستيفاء ما أشار إليه القرآن والسنة من شروط، وتستقي الحرب مشروعيتها من إعلاء كلمة الله وإخلاص النية في ذلك وفق الضوابط الإسلامية والأخلاقية، فيما يمكن تسميته بفقه الحرب. لذلك البشير بكلمات قلائل استطاع أن يحوّل ثبات الأمة وتثاقلها غير المصطنع إلى انتفاضة جهادية شاملة فاستنفروا الناس في كل أصقاع البلاد بالزاد والمال والرجال وشُغلت الشاشات بأغاني الحماسة لدرجة أن شاهدنا فناني السهرات في الزي العسكري ابتهاجاً بتحرير هجليج معبرين عن وقوفهم خلف القوات المسلحة لتحرير كل الأراضي المدنسة! ولأول مرة تدخل هيئات في منظومة الإستنفار والوقوف خلف القوات المسلحة السودانية بفرعيات النقابات وكذلك الطرق الصوفية وكل القطاعات والفئات الشعبية والشبابية والتي لايتسع المقام لسردها تفصيلاً، وقد إغتنى جرحى هجليج من كثرة الهدايا والمظاريف فارتبكت حسابات الحركة الشعبية بدولة جنوب السودان بمحاولتها الإنتحارية وإرتكابها خطيئة احتلال منطقة هجليج لتغير المواقف المرجوة لأن هذه العملية حولت السودان من هوانٍ لقوى ومن ذلٍّ يستجدي السلم والسلام في موائد اللئام بأبابا لعز عزّ الله به السودان وأخزى الأعداء بمنهج عقيدة قتالية صلبة جعلت الحركة الشعبية تتجرع ذات السُّم الذي أعدته لتخريب السودان فأرتدّ سهمها على نظامها وعلى أمنها وعلى حكومتها. ومن الإشارات التي تنم عن (العقيدة القتالية) التي يتميز بها هذا الشعب والتي أطلقها السيد الرئيس في زيارته الأرض المحررة (هجليج) ودخان الإشعال والإشتعال يُغطي سماءها فقد قال السيد الرئيس للمجاهدين بعد شكر الله وشكرهم (شبّعتوا الحدي) بمعنى بعد أن كان (صقر الرمة) جيعان في هذه المنطقة بعد تحرير هجليج شبع الحدي من كثرة جثث القتلى فانطبق عليها بذلك ما نُظم في إحدى المعارك الخالدة أيام المهدية (دخلوها وصقيرا حام)، وأخطر تحول في مفهوم العقيدة القتالية والذي ابتدعته حكومة الإنقاذ في بدايتها هو توطين ثقافة الجهاد والدفاع عن الوطن الذي كان حصرياً فقط على القوات المسلحة المختصة والمتخصصة مهنياً بغية التكسب المادي ولاتخرج القوات النظامية الأخرى عن سياق وإطار اختصاصها ومهامها المسنودة إليها بالقانون، لذلك كانت مذكرة القوات المسلحة الشهيرة في فبراير 1989م تعبّر عن الحالة المزرية التي كانت تعيشها القوات المسلحة وأفراد القوات المسلحة وهم يقومون بواجب الدفاع عن الوطن في ذاك الوقت ولكن بالتحول الفاعل عقب 30 يونيو 1989م الذي غيّر تماماً المفاهيم والمهام والواجبات بعملية إحلال وإبدال الأسانيد شراكة مع جموع الشعب فيما غير إخلال بديباجة دستورية عليا أن الدفاع عن الوطن والذود عن حياضه مسؤولية الأمة وكل الشعب بل من أوجب الواجبات تحت راية لا إله إلا الله زرافات زمراً ووحدانا ما استطاعت لذلك سبيلا وركزت للمفاهيم الجهادية تشريعاً وتمويلاً وترويجاً ومبدأ، فغرست قيم الجهاد والإستشهاد في سبيل الله والوطن وتغير مفهوم العقيدة القتالية تماماً للقوات المسلحة وهي يعلوها التكبير في الملاحم وصيحات التهليل في العمليات والمواجهات وقراءة القرآن، فوطدت ووطنت لمفاهيم العقيدة القتالية بشرعة جديدة ومنهج جديد وأدب جديد فكان أدب الجهاد وأناشيد الجهاد وتجهيز المجاهد وعرس الشهيد والنفرة يتبعها استنفار والتجريدة يتبعها زاد المجاهد والكتيبة يقودها الفدائيون والمدرعة طاقمها دبابون والقوافل من كل الولايات المستنفرة وبين المقاتلين في الصفوف الأمامية تجد الوزراء وولاة الولايات يحملون الكلاش وأياديهم على الزناد عند النداء ومع كل هيعلة، والدعم الشعبي يبلغ ذروته في عمليات هجليج ويخفف الوطء على الخزينة العامة للدولة وينقذ الموازنة فأمة بها هؤلاء تستظل بهذه العقيدة القتالية في ميادين القتال أمة لا تقهر..